المقدّمة
الأزهر في مقدمة الجامعات العلمية التي سارت مع التاريخ أجيالا طوالا ، فهو أطولها عمرا ، وأجلها أثرا في تاريخ الفكر العربي والإسلامي ؛ وإن ألف سنة أو تزيد ، قضاها الأزهر الجامعي ، وشاهد أحداثها الضخمة ، واشترك فيها في هذه الأحداث مؤثرا وموجها وبانيا ؛ لتاريخ ممعن في الطول ، لا يمكن استيعاب حياة جامعة علمية لم تدون أخبارها فيه ، إلا بمشقة وعسر وجهد وإرهاق شديد .. ولم تعمر في الشرق جامعات علمية غير الأزهر في القاهرة ، والزيتونة في تونس .. ولكن الأزهر ينفرد بضخامة ما أحدث من آثار في تاريخ العرب والمسلمين ، من شتى النواحي الروحية والثقافية والفكرية والسياسية والقومية والاجتماعية ، بل والاقتصادية كذلك.
والأزهر ـ طول عصور التاريخ ـ حارس التراث العربي ، ومجدد الثقافة الإسلامية ، والمشعل الذي يضيء ولا يخبو ، والملاذ الذي تهوي إليه أفئدة المسلمين من كل مكان ، والضوء ينير لهم الطريق ، ويبصرهم سواء السبيل ... والأزهر اليوم يتدثر برداء هذا المجد الخالد ، وذلك التاريخ القديم المجيد ، وإن كان قد أصبح وئيد الأثر والتأثير في حياة الناس ، في المادية المظلمة التي يعش فيها عصرنا الحاضر ، وسار وراء المتنافسين في ميدان التجديد والابتكار واليقظة الفكرية ، وقيدته أغلال ثقيلة من الركود وفقدان الحيوية ، وأساءت إلى سمعته بين الناس التيارات