مصر فيلسوف الشرق ، جمال الدين الأفغاني ، انتظم الشيخ محمد عبده في سلك تلاميذه ، واقتبس من علمه وفلسفته ، ولازمه ملازمة ظله ، ونال إجازة العالمية ، واختير مدرسا للأدب العربي والتاريخ بدار العلوم وأستاذا للغة العربية بمدرسة الألسن ، ثم اشتغل بالتحرير في الوقائع المصرية. وشبت الثورة العرابية ، فكان من أبطالها ، ونفى من القطر المصري بعد انتهائها ، فذهب إلى سورية ثم انتقل إلى باريس. وأنشأ مع أستاذه جمال الدين صحيفة العروة الوثقي. ثم عفى عنه سنة ١٨٨٨ م فعاد إلى مصر ، وعين قاضيا في المحاكم الأهلية ، ثم كان مفتيا للديار المصرية. وبقى في منصبه مسموع الكلمة ، واسع الجاه ، شديد البأس ، عظيم السلطان ـ إلى أن وافته منيته سنة ١٩٠٥ م فاهتز العالم الإسلامي لوفاته ، وفقد فيه الرائد المصلح ، والشجاع الأبي ، والمناضل المكافح ، والمشعل الذي أضاء دياجي الظلمات ، والسيف الذي روع الاستعمار.
بعوث الأزهر العلمية
اتصل الأزهر بأوربا التي كان يجتويها وينظر إلى علومها نظرة المعجب لا المصدق والمتفرج لا المتأثر ، والمشاهد الذي تدركه الغيبوبة في أثناء شهوده من الدهشة والغرابة ، ففي سنة ١٨٢٦ شهدت باريس وشهد الباريسيون الأزهريين في صفوف بعثات محمد علي ، وفي سنة ١٨٢٨ شهد السربون حفلا عاما من علماء فرنسا وعظمائها يستمعون إلى الأزهريين في امتحانهم ، ويعجبون باجابتهم ويصفقون لهم تنويها بهذا الاعجاب وأثبت الأزهريون عند هذا الامتحان للمرة الأولى في تاريخ مصر الحديث أن الإسلام دين علم ، وأنه لين هين لا يستعصى على نزعات الفكر ، إنما يستعصى على نزعات الشيطان تزجي اليه باسم العلم وباسم الدين .. نعم ، كان المرحوم رفاعة الطهطاوي إمام بعثات القرن التاسع عشر ، وكانت وظيفته أن يصلي بالمسلمين من أفرادها ، وأن يذكرهم إذا نسوا. وأن يتخولهم بالموعظة ليوقظ فيهم إلى جانب حاسة عرفان العلم ، إحساس وجدان