الثقافة في المدارس المصرية ، حريصين على تغيير العقلية المصرية المعارضة لمبادىء انجلترا السياسية ، سواء بنشر الثقافة الانجليزية في مصر ومدراسها الحكومية أم بإرسال بعوث إلى انجلترا ، أم بإنشاء مدارس انجليزية لنشر الثقافة الغربية أم بإلقاء زمام الثقافة في مصر في أيدي الأساتذة والمستشارين الانجليز.
وأخذت المدارس المصرية تتأثر بالآراء الغربية على كل حال ، ما عدا الأزهر فإنه بقى على تقاليده الصريحة وآثر الذود والدفاع عنها ، ونجم عن ذلك أن اتسعت مسافة الخلاف بين الأزهر ورجال المدرسة الحديثة ، ووجدت في مصر ثقافتان مختلفتان متعارضتان : تقوم إحداهما على التراث الشرقي القديم والتخصص له وتتمثل في بيئة الأزهر ، وتقوم الأخرى على العلم والتفكير الغربي الحديث وتتمثل في مدارس الحكومة على شتى درجاتها ، وفي المدارس الأجنبية على اختلاف الثقافات التي تدعو إليها ، من فرنسية وانجليزية وأمريكية وإيطالية .. وهكذا استقلت الحياة السياسية في الدولة عن الأزهر ، وترك الأزهر على حاله ، يتصرف فيه رجاله كما يريدون ، بعيدين عن توجيه السياسة المباشرة لشئون الثقافة والتعليم فيه ، وفكر الغيورون على مستقبل العلم والدين من أبنائه مليا في أمره ، ورأوا حاجته الماسة إلى الإصلاح ، فطالبوا بإصلاح مناهجه ونظمه ، ولكن هذه الدعوات قوبلت في داخل الأزهر بعصبية متطرفة في الانكار ، بيد أن رغبات الإصلاح كانت قوية جبارة ، وكانت النهضة الحديثة تدفع الأزهر إلى التجديد العلمي ، وكان أبرز شخصية دعت إلى هذا الإصلاح هي شخصية الإمام محمد عبده تلميذ جمال الدين الأفغاني ، وكان الشيخ محمد عبده يرى أن بقاء الأزهر على حاله محال ، فإمّا أن يعمر وإما أن يخرب وابتدأ يعمل على تغيير مناهج الدراسة والثقافة فيه : بدراسته كتابى عبد القاهر الأسرار والدلائل ، وبقراءته البصائر النصيرية ، وقد علق الشيخ محمد عبده على نهج البلاغة ومقامات البديع ، وهو مدين في أسلوبه لمقدمة ابن خلدون ، واهتم الشيخ بالإصلاح.
فاستصدر مرسوما بكساوي التشريف ، واهتم بمساكن الطلاب