للخلف من هذه الكتب القيمة ، وتصرفوا فيها تصرف الملاك فباعوها مع نفاستها بالثمن البخس» ولا أدل على مقدار ما فقدت مكتبات الأزهر في الماضي من المثال الآتي : «حوالي سنة ١٢٧٠ ه ـ ١٨٥٣ م أمر ديوان عموم الأوقاف بجرد كتب مكتبات المساجد والتكايا وأروقة الأزهر وحاراته وقيدت جميعها في سجلين جامعين ، خصص أولهما لمكتبات الجامع الأزهر ، وثانيهما لمكتبات المساجد والتكايا ، وقد بلغ مجموع المجلدات الموجودة في ذلك الوقت في مكتبات أروقة الأزهر وحاراته ١٨٥٦٤ مجلدا : فإذا رجعنا الآن إلى هذا السجل التاريخي فلا نجد من أثمن الكتب وأنفسها إلا أسماءها ، وكأن هذين السجلين أنشأ ليكونا في الواقع مرشدا لأيدي الأغتيال التي عمدت إلى أنفس ما في المكتبات من المؤلفات الأصيلة القيمة فانتهبتها انتهابا. «وأغرب من هذا أن نفس السجلين تسربا أيضا إلى أيد أجنبية خارج الأزهر ولم يعودا اليه إلا بالشراء سنة ١٩١١ م ودفع لهما ثمن قدره ١٥٠ قرشا ، وأعيد قيدهما بالمكتبة».
ويقول الأستاذ عبد الكريم سلمان : «كان في الأزهر خزائن كتب وضعت في بعض الأروقة والحارات وبعضها في المساجد القريبة كجامع الفاكهاني وجامع العينى ونيط حفظها جميعها بأشخاص يقال لهم «المغيرون» فتصرفوا فيها تصرفا سيئا للغاية صح معه اطلاق اسم «المغيرين» عليهم ، لأنهم غيروا وضعها وشتتوا جمعها ، ومزقوا جلودها وأوراقها ، وتركوا ما لا عناية لهم به منها في التراب يأكله العث ويبليه التراب ، وهذا غير ما تصرفوا فيه تصرف الملاك وطار بأيدي باعة الكتب ، يباع على نفاسته بالثمن البخس ، ولم يبال المتصرف الأول والباغة بما كتب على ظهور تلك الكتب من العبارات التي تفيد وقفها على طلبة العلم والعلماء ، وبالجملة فلم يكن ليعرف للكتب قيمة ، ولا لينتفع بها لعدم إمكان الانتفاع». ولقد كان تعرض كتب الأروقة والحارات للضياع والتسرب إلى أيدي المترصدين لها ممن يعرف مقدارها ، هو الذي أوحى إلى الإمام بفكرة إنشاء المكتبة ، وقد تقدم بها إلى مجلس إدارة الأزهر وكان ذا نفوذ فيه فنالت القبول من أعضائه ،