إن هذين الإمامين الجليلين والحكيمين الرائدين ، والعبقريين المصلحين ، لهما سبب كل تقدم أحرزناه خلال الخمسين سنة الماضية ، ومن أفكارهما وآرائهما ودعوتهما انبعثت شعلة الثورة والتحرر والإصلاح في كل مكان ..
سعد زغلول في الأزهر
جاور سعد في الأزهر عام ١٨٧٥ وهو في سن الخامسة عشرة وحضر الأزهر يصحبه شقيقه الشناوي سعد زغلول الذي تولى أمره بعد وفاة أبيه ، وأوصى به طالبين يكبرانه سنا وهما : الشيخ حسن البليهي والشيخ محمد أبو رأس الذي وصل فيما بعد إلى شيخ معهد دسوق ، وتوطدت الصلة بينه وبين الهلباوي الأزهري الذي كان يسبقه في الدراسة وكان يسكن معه في منزل واحد في غرفة أمام غرفته. حضر سعد دروس محمد عبده وبواسطته اتصل بجمال الدين الأفغاني ، وقضى سعد في الأزهر خمس سنوات نبغ فيها ، ثم عين محررا بالوقائع سنة ١٨٨٠ م.
ويقول زميله الهلباوي عنه : اشتهر سعد بين زملائه طلبة الأزهر باليسر وسعة اليد. فقد كانت عائلته أكبر العائلات في الريف المصري ومن أعظمها جاها وسلطانا في موطنها. وقد كان سعد هو الطالب الوحيد الذي يلبس الجبة والقفطان في (شلتنا) ، فكنا نفتخر به وبجبته وقفطانه ونتباهى بملبسه أمام الطلبة الآخرين .. ولا عجب في ذلك فقد كنت أنا مثلا ألبس (الزعبوط) الذي لازمني طول مدة دراستي حتى تخرجت في الأزهر فتوظفت وأنا ألبس (الزعبوط) ..
وكان سعد يعير دروسه الاهتمام الأول ، ولم يكن له دراية بشئون المنزل ـ شأن طلبة الأزهر ـ فأهمل مأكله وملبسه رغم النقود والملابس لديه ، ولاحظ ذلك شقيقه الشناوي أفندي فخصص له زميلين من زملائه عهد إليهما في إعداد طعامه وقضاء لوازمه. وكان يعطيهما أجرا خاصا نظير هذه المهمة ، فإذا تصادف يوما أن شغلهما شاغل عن القيام بخدمته حار