العربية ويتقنونها حتى صار كبارهم وأمراؤهم بل جمهرتهم يتكلمون العربية الفصحى ويتخاطبون بها .. وكان السلطان الأشرف خليل يعقد المجالس الأدبية ويطارح الأدباء والشعراء مع معرفته بصناعة الانشاء ، واشتهر كذلك السلطان «جقمق» و «خشقدم» بفصاحة اللسان بالعربية الفصحى البليغة .. وكذلك جاني بك (٨٦٨ ه) وخاير بك (٨٨٧ ه) وحبيب العلائي الإينالي (٨٩٣ ه) وكذلك السلطان قانصوه الغوري حيث كان يجيد العربية ، شديد الولع بعلومها وآدابها وله فيها مشاركة كبيرة ، كما كان يتذوق الشعر وإلى ما شهر عنه من غرامه بقراءة السير والتواريخ ، وله مجالس عرفت باسمه عنوانها «مجالس الغوري» وهي مناظرات كانت تجري في مجلسه.
وفي القاهرة كانت المدارس العلمية والخوانق (البيوت) الصوفية تنهض برسالة دينية وثقافية وعلمية كبرى وتعمل من أجل نشر الثقافة الإسلامية وحمايتها ومن بينها : المدرسة الصالحية والكاملية والظاهرية والمنصورية والناصرية والمؤيدية والخانقاه البيبرسية والمدرسة الشيخونية التي درس فيها السيوطي على شيخه البلقيني ومنحه فيها إجازة علمية عام ٨٦٤ ه / ١٤٦٠ م ثم كان أستاذا فيها ذاتها كذلك عام ٨٧٢ ه / ١٤٦٧ م. وكان الأزهر يشد أزر هذه المدارس ويغذيها بالأساتذة الأعلام ، فهو وجه مصر الروحي والفكري والحضاري ، وهو أبرز معاهد العلم والدراسات الإسلامية والعربية في «دولة البرين والبحرين» وإليه يفد طلاب العلم وشيوخه من مشارق الأرض ومغاربها للتعمق في دراسة علوم الدين والعربية وفيه كانت تعقد مجالس الوعظ وحلقات التدريس ، وقد أكسب مصر سمعة إسلامية عالمية ، حتى صارت حاملة مشاعل الثقافة الإسلامية بعد بغداد التي صارت أطلالا دارسة ، فالأزهر هو الذي رفع المشاعل وأوقد المصابيح ، وأضاء الدنيا وتصدر حلقاته العلمية الأئمة والأعلام من العلماء ، أولى المناهج العلمية وقد عرفت طريقتهم باسم «الطريقة المصرية» (٢).
__________________
(٢) ابن خلدون : المقدمة ٤٤٢.