واملاء الحديث بالجامع الطولوني ودرس الحديث بالخانقاه الشيخونية وتولى مشيخة الصوفية بمدفن برقوق الناصري ، ثم تولى مشيخة المدرسة البيبرسية وهي أكبر خوانق (بيوت الصوفية) بالقاهرة وبيوتها الصوفية وأكثرها أوقافا في عصره (٣) ، ثم نحاه عنها السلطان محمد بن قايتباي (٤) وكان آنذاك في الأربعين من عمره فاعتزل الناس وزهد في الدنيا وعكف على التأليف طيلة عشرين عاما في منزله بالروضة ورفض أن يستقبل أحدا من زائريه ومريديه حتى لقد أغلق نوافذ منزله بالروضة المطلة على النيل وكتب في ذلك رسالة سماها «تأخير الظلامة إلى يوم القيامة».
ولما تولى «طومان باي» الحكم خاف السيوطي أن يضطهده فاختفى حتى توفي هذا السلطان ، ولحسن الحظ لم يمكث هذا السلطان في الحكم إلا شهورا قلائل عاد السيوطي بعدها إلى منزله في الروضة ، وكان قد تولى حكم مصر السلطان قانصوه الغوري ، وقد عرض هذا السلطان عليه العودة إلى المشيخة في المدرسة البيبرسية فاعتذر وآثر العزلة عن الناس.
حج السيوطي عام ٨٨٧ ه ١٤٨٢ م ، وجاور في مكة المكرمة عاما كاملا (٥) وطاف في أنحاء العالم الإسلامي دارسا ومدرسا وموجها ، فرحل إلى الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب وبلاد التكرور ، وتصدر مجالس العلم والعلماء في الأزهر وفي غير الأزهر من أمهات المدارس الإسلامية حتى غدا علم الأعلام ورائدا عظيما من رواد الثقافة الإسلامية.
وبعد عمر غير طويل وعن اثنين وستين عاما هجريا أو ستين عاما ميلاديا توفي الإمام جلال الدين السيوطي في التاسع عشر من جمادي
__________________
(٣) ابن العماد : شذرات الذهب : ٨ / ٥٢
(٤) السيوطي : طبقات المفسرين : ٢٦
(٥) السخاوي : الضوء اللامع : ٤ / ٦٥