الشيخ محمد رشيد رضا
في ٢٣ جمادى الأولى ١٣٥٤ ه ـ ٢٢ أغسطس عام ١٩٣٥ م توفي الشيخ محمد رشيد رضا (١) ، وكان الشيخ قد تجرد رحمه الله لخدمة الإسلام ، ووقف له كل ما وهبه الله من علم وقوة وصبر ومثابرة ، وليس يؤسف الناس من وفاته خفوت صوت من أرفع الأصوات في الدفاع عن الإسلام فحسب ، ولكن من خلو مكان رفيع كان يشغله أيضا بين العاملين على تطهير عقول المسلمين من البدع التي اعتبرها عامتهم من الدين وليست منه في شيء.
نعم إن ثورة المرحوم السيد رشيد على البدع لا يوجد لها نظير إلا في أفراد من السلف الصالح ، فقد صمد لها صمودا أشفق عليه منه حتى الذين كانوا يشاطرونه رأيه من العارفين ، ولكنهم لم يؤتوا الشجاعة التي أوتيها ، فباتوا يتوقعون له الشر المستطير ، وقد لقي منه ما لو لقيه سواه لصده عن السبيل ، ولكنه ثبت للمعارضين ، واستبسل في الكفاح أيما استبسال ، حتى استطاع بفضل إخلاصه وصبره أن يحدث في الصفوف المتراصة حياله ثغرة اقتحمها على مناوئيه وفي أثره جمهور غفير ممن كانوا لا يجرءون على مواجهتهم مجتمعين ، فأصبحنا وللسنة الصحيحة أنصار مجاهرون ، وحيال البدع خصوم مجاهدون.
فلو لم يكن لفقيد العلم السيد رشيد غير هذا الموقف لخلد ذكره في تاريخ المسلمين ، فما ظنك به وقد أسقط دولة التقليد ، تلك الدولة التي قضت على المسلمين بأن ينقسموا شطرين شطرا جمدوا على ما هم عليه من التقاليد المنافية لروح الدين ، وقوما مرقوا من الإسلام واتخذوا لهم طريقا غير طريق المؤمنين ، فلو كان دام سلطان التقليد لقضي على كل مفكر أن يفني في حزب المقلدين ، وهي كارثة جدير بكل من يعرف حقيقة الإسلام ان يذوب قلبه أسفا منها.
__________________
(١) في مقتطف عدد أكتوبر عام ١٩٣٥ كلمة عن رشيد رضا بقلم الشيخ محمد شاكر.