أما الحلقات الخاصة فهي التي كانت تعقد في منازل أكابر العلماء والفقهاء حيث كانوا يجتمعون بتلاميذهم وأصدقائهم يقرأون عليهم بعض شروح الفقه الاسلامي وبعض كتب العبادات ويروون بعض الأشعار. وقد تألفت بعض تلك الحلقات ، اشتهر منها حلقة بيت عبد الله بن الحكم الفقيه المالكي وولديه عبد الرحمن ومحمد وكانوا من أنبغ الفقهاء المحدثين حتى أوائل القرن الثالث. وكانت حلقاتهم موضع التقاء أكابر العلماء والأدباء المعاصرين الذين كانوا يفدون على مصر من مختلف الأقطار ، فما أن وفد الامام الشافعي إلى مصر ، حتى وجد من تلك الأسرة كل عناية ورعاية وإكرام. فلما أقام حلقته في جامع عمرو ، كانوا هم أول من شجعه وحضر درسه.
وظل التدريس في جامع عمرو على هذا المنوال عامر الحلقات ، وموضعا لنشر العلم والتعليم مدة طويلة ، واقتفى أثره كثير من الجوامع الشهيرة كجامع أحمد بن طولون ، فلم يأت القرن الرابع حتى كان العلم في جامع عمرو قد وصل إلى مرحلة مثلى بفضل من كان يؤمه من أقطاب الفقه واللغة ، وأشهرهم أبو القاسم بن قديد وتلميذه الكندي الذي ترك كتابا عظيما في تاريخ ولاة مصر ومن تولى قضاءها ـ وأبو القاسم بن طباطبا الحسنى الشاعر.
فلما أن كان عصر الأمير محمد بن طغج الأخشيدي ، أصبحت مجالس الدراسة والحلقات الأدبية الخاصة من تقاليد الحياة الرفيعة ، وقد لقيت العلوم والآداب ، بفضل هذا الأمير وولده أنوجور ووزيره كافور ، وكثير من أمراء الدولة كل حماية ورعاية. وكانت حلقة الشاعر أبي الطيب المتنبي الذي وفد على مصر عام ٣٤٦ ه (٩٥٧ م) على أثر مفارقته لبلاط سيف الدولة في حلب ، من أهم حلقات الشعر والأدب واللغة في ذلك العهد.
ثم قامت حلقات للمسجد الأموي بدمشق ، وفي مساجد البصرة