فأي نظام نجده نزيها وعادلا كنظام الإقتصاد في الإسلام؟ إن الإسلام قد امتاز في نظامه عن الشيوعية والإشتراكية ، فالإقتصاد الإسلامي رأسمالي فردي من نوع خاص ، قد جمع خير ما لدى الشيوعية والإشتراكية ، وتجنب عيوبهما ، ولكن كثيرا ممن أخذوا بزيف المدنية الغربية يشيدون بالاشتراكية ، التي تضمنت المساواة في لذة العيش ، وبسطة الحياة ، من غير تفرقة بين سوقة وسادة ، وأغنياء وفقراء ، وهي مذاهب وضعية خاضعة للتجارب والتعديل والتغيير ، كما هو حادث فعلا ، والاشتراكية الصحيحة المعقولة في الإسلام الذي يضمن للعاجز العيش ، وللعامل الكسب ، وللفقير القوت ، وللمريض الصحة ، وللعالم كله أمنا وسعادة ، الإشتراكية الصحيحة المعقولة هي في الإسلام الذي يشعر المسلمين بأنهم أسرة واحدة ، وأنهم جميعا كأسنان المشط وأنهم تتكافا دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وأنهم «كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر».
هذه هي الإشتراكية في الإسلام. فأين منها تلك المذاهب الحديثة المادية المتداعية الواهنة.
الشيخ عبد الحليم قادوم
في ديسمبر عام ١٩٥٣ توفي المغفور له الشيخ عبد الحليم قادوم أستاذ كرسي التفسير في كلية اللغة العربية بالأزهر الشريف ، وقد عرفت الشيخ قبل هذا التاريخ بنحو ستة عشر عاما حينما دخلت عليه في لجنة من لجان الامتحان الشفوي ، فسألني وأجبت ، ثم بعد حين رأيت تقديره لي في الشهادة التي استلمتها ، وفي عام ١٩٤٠ كنت في الفرقة الأخيرة ، وكان الشيخ يدرس لنا بلاغة عبد القاهر الجرجاني في كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الاعجاز ، فلم أر ذوقا أصفى من ذوقه ، ولا بيانا أنصع من بيانه ، ولا تحليلا لأسرار كتابة عبد القاهر في النقد الأدبي مثل تحليله .. ومن قبل ذلك طالعت كتابين مطبوعين للشيخ : احدهما في المنطق ، والثاني في الحديث.