ففي فجر القرن السابع ظهرت المدارس بمصر (١) واتسع إليها نطاق التدريس بعد أن كان مقصورا على المساجد. وكان إنشاء المدارس الأولى بمصر في الفسطاط حول جامع عمرو. فهنالك أنشئت المدرسة الصلاحية ، والمدرسة القمحية فكان فيها مدارس أنشئت للفقهاء المالكية مثل القمحية ، وكانت الدراسة فيها بالاعتماد على أمهات المذهب المالكي المشهورة : من كتب العراقيين والأفريقيين والأندلسيين ، ومن بينها كتب ابن أبي زيد والقابسي والمازري وابن بشير وغيرهم من أبناء البلاء التونسية. يشهد لذلك ما ذكره ابن فرحون في الديباج في ترجمة أبي محمد ابن شاس (٢) المتوفى سنة ٦١٠ ه أنه كان مدرسا بالمدرسة المجاورة للجامع العتيق ، مع ما ورد في كتاب الجواهر الثمينة لابن شاس من اعتماد على ابن أبي زيد ويسميه الشيخ ، وابن بشير ويسميه أبا الطاهر ، والمازري ويسميه الإمام أبا عبد الله ، زيادة على أمثال أبي الوليد الباجي ، وابن رشد ، وابن العربي ، من الأندلسيين وعبد الوهاب والأبهري ، وابن القصار ، من العراقيين.
فلما ظهرت المدارس بتونس في أوائل القرن السابع ، كانت الدروس فيها ، وفي حلق جامع الزيتونة ، سائرة على نفس ذلك المنهج ، ومعتمدة نفس تلك الدواوين. زيادة على ما كانت تتلافى فيه المناهج العلمية بين مصر وتونس ، في الفنون الأخرى غير الفقه المالكي ، من الحديث والأصول والتصوف ، وفنون العربية ، مما زاد له تأكد الصلات ، وقوة الامتزاج ، ورواج الأخذ والعطاء ، طردا وعكسا ، بين المركزين.
وظهر في ذلك القرن في مصر العلامة ابن دقيق العيد ، والإمام عز الدين بن عبد السلام والحافظ المنذري ، فصربت سمعتهم إلى تونس ، وأخذ عنهم من رجال الزيتونة مشاهير منهم أبو يحيى بن جماعة التونسي أخذ
__________________
(١) المقريزي ج ٤ ص ١٩١ وما بعدها.
(٢) الديباج ص ٤٠ السعادة بمصر.