الأزهري الشيخ سليمان الجوسقي
فرغ الشيخ سليمان الجوسقي (١) من صلاة الفجر في الجامع الأزهر على عادته في كل يوم ، ولكنه في ذلك اليوم كان يبدو على غير عادته في كل شيء ، فهو ساهم واجم يستغرقه تفكير عميق ثقيل ، وهو في تفكيره منصرف عن كل شيء من حوله ، حتى كان إخوانه يتلقونه بتحية الصباح فلا يجيبهم ، وكان طلابه يكبون على يده يقبلونها فيلقيها إليهم في إغفال واستسلام كأنه لا يبالي شيئا من أمرهم.
ومضى الشيخ الجوسقي إلى حلقة الدرس وهو على هذه الحال ، ساهم واجم ، مستغرق في ذلك التفكير العميق الثقيل ، ولقد أخذ مكانه في حلقة الدرس والطلاب يحفون به منصتين ، ولكنه جلس صامتا واجما لم يتكلم بكلمة ، ولم يعنه أن يسأل الطلاب فيما حققوا من مسائل الدرس أو صادفوا من مصاعبه كشأنه معهم في كل يوم.
وما كان الشيخ الجوسقي هكذا أبدا ، ولا عرف طلابه عنه هذه الحال في يوم من الأيام ، فقد كان شيخا مكفوف البصر ، يتولى شئون طائفة العميان والتدريس لهم في الأزهر ، ولكنه لم يكن يرى في تلك المحنة حدا
__________________
(١) مجلة الأزهر الأستاذ محمد فهمي عبد اللطيف.