مذهب مالك إلى مذهب أبي حنيفة لأنه المذهب الرسمي للحكومة وعليه القضاء والفتيا ، وظل ينازع نفسه ، ويغالب السأم والملال من الدراسات المعقدة والأساليب الملتوية ، حتى حصل على شهادة العالمية في عام ١٢٩٤ ه ، وقد انتزعها انتزاعا بعد معارضة بعض العلماء في منحة إياها لجرأته وصراحته ، وزرايته بنظم الأزهر وطريقة التدريس فيه في ذلك الوقت ، واصطدامه ببعض شيوخه ومخالفتهم في كثير من الآراء والعقائد.
ثقافته وأساتذته :
كان الإمام ذكيا ألمعيا يتمتع بذهن متوقد ، وفكر ثاقب ، ونفس طلعة متحررة ، لا تحب القيود ، ولا تخضع لما تواضع عليه الناس ، فمال إلى التزود بجميع أنواع الثقافات ، وفتن بالعلوم العقلية واللسانية والأدبية ، واستقى الدين من منابعه الأولى ، ضاربا صفحا عما ابتدعه العلماء من مذاهب وعقائد ، وما أدخلوه في الدين من بدع وأساطير وخرافات.
اقتنع الشيخ بانحراف العلماء عن سنة السلف ، ومال إلى الدراسة الاستقلالية الحرة ، وشغف بالتاريخ والمنطق والفلسفة الإسلامية ، والرياضة والفلك ، وتلمس السبل لفهم ما استعصى عليه ، فاتصل وهو طالب بعالم فحل اسمه الشيخ حسن الطويل ، ولازمه وأفاد منه ، ووجد عنده ما افتقده عند غيره من العلماء فلم يظفر به ، واتصل كذلك بجمال الدين الأفغاني منذ وفد علي مصر وأخذ عنه الأدب والتوحيد والمنطق وأصول الفقه والفلسفة وغير ذلك من العلوم ـ كما أخذ عنه آراءه في السياسة والاجتماع ، وثورته على ظلم الحكام واستبداد الولاة ، ودعوته إلى نظام شورى إسلامي يقضي على المطامع والنفعية والاستغلال.
بيئته وأثرها في حياته :
نشأ الشيخ في عصر يموج بالأحداث والأعاصير ، وتتوالى فيه الكوارث السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فقد كبل إسماعيل البلاد