توفي سلطان المغرب في ربيع الآخر من عام ٧٧٤ ه فقد ابن الخطيب حاكما مخلصا يحميه من أعدائه ، فلجأ إلى الوزير أبي بكر ابن غازي ، الذي تولّى أمور الدولة ريثما يكبر ابن السلطان الطفل السعيد.
وانتقل ابن الخطيب والوزير ابن غازي من تلمسان إلى فاس ، فقام الثوّار واقتحموا مدينة فاس ونادوا بولاية أحمد ابن السلطان أبي سالم ، فأذعن ابن غازي لمطالبهم ، فخلع الطفل السعيد ، ودخل أحمد البلد وجلس على العرش ، وذلك في أوائل محرم من العام ٧٧٦ ه. عندئذ تحقّق لسلطان غرناطة ما يريده ، فقبض سلطان المغرب الجديد على ابن الخطيب ، وأودعه السجن ، وأخبر الغنيّ بالأمر ، فأرسل الغنيّ وزيره ابن زمرك إلى فاس ، فأحضر ابن الخطيب في مجلس شورى ، ووجّهت إليه التّهم المذكورة ، وامتحن بالعذاب. وبرغم دفاعه عن نفسه وظهور براءته من تهمة الزندقة ، فقد أعيد إلى السجن. ثم دسّ إليه خصمه الوزير سليمان بن داود بعض الأوغاد من حاشيته ، فطرقوا السجن ليلا وقتلوه خنقا. وفي اليوم الثاني أخرجت جثّته ودفن في مقبرة باب المحروق ، أحد أبواب فاس القديمة. ثم أخرجوه في اليوم الثالث من القبر ، وأشعلوا من حوله النار ، فاحترق شعره واسودّت بشرته ، ثم أعيد إلى القبر قبل أن يحترق ، وذلك في ربيع الأول من العام ٧٧٦ ه (١). وما يزال قبره قائما في باب المحروق بفاس في ضريح صغير عليه هذه العبارة : «هذا ضريح العلّامة لسان الدين ابن الخطيب».
ولم يتخذ ابن الخطيب النثر والشعر وسيلة للتكسّب ، بل كتبهما ليظهر مواهبه ، ويتمشّى مع مفهوم العصر ، الذي كان يفرض على كل أديب أن ينثر وينظم. امتلك ناصية الأدب ، شعرا ونثرا ، فكان له نثر مستملح غلب عليه السّجع وجمع بين دقّة الصّنعة ورقّة الطّبع ، وشعر برع فيه ونبغ ، سواء في القصيدة العربية الكلاسيكية أو في فنّ التوشيح ، حتى انتهت إليه رئاسة هذا الفن ، وصار من ألمع شعراء وأدباء عصره ، ما دفع ابن خلدون إلى القول : «ونبغ في الشعر والترسّل بحيث لا يجارى فيهما» (٢). وأضاف : «وكان الوزير ابن الخطيب آية من آيات الله في النظم والنثر ، والمعارف والأدب ، لا يساجل مداه ، ولا يهتدى فيها بمثل هداه» (٣). كما عدّه ابن الأحمر «شاعر الدنيا ، وعلم المفرد والثّنيا ، وكاتب الأرض إلى يوم العرض ...» (٤).
__________________
(١) خبر مقتل ابن الخطيب في كتاب العبر (م ٧ ص ٧٠٧ ـ ٧١٠) ونفح الطيب (ج ٧ ص ١٠٥ ـ ١٠٧) وأزهار الرياض (ج ١ ص ٢٢٩ ـ ٢٣١).
(٢) كتاب العبر (م ٧ ص ٦٨٩).
(٣) المصدر نفسه (ص ٩٥٩).
(٤) نثير فرائد الجمان (ص ٢٤٣).