بالأعلام والأماكن حيث كان ذلك ضروريّا ، وشرحنا الألفاظ التي تتطلب الشرح وبخاصة بعض المصطلحات الأندلسية غير المعروفة عند المشارقة ، بصورة تتّفق مع ما تتطلبه المناهج العلمية الحديثة من أساليب البحث والتحقيق المقارن. وقد تمّ ذلك بعد أن رأى الحاجّ محمد علي بيضون ، صاحب دار الكتب العلمية ، أن نعيد طبع هذا الكتاب ؛ إذ رغب إلينا في أن نقوم بتحقيقه ، فقبلنا طلبه ، وتولّينا الكتاب بالتحقيق العلمي ، وشرعنا بالعمل منذ أكثر من ثلاث سنوات ، احتجنا في خلالها إلى أناة قد لا يقوى عليها الكثير من الناس ، فجاء الكتاب كما يراه القارئ ، وبحسبنا أننا أدّينا الذي يجب علينا في هذا السبيل ، فإن قصّرنا فما توفيقنا إلّا بالله تعالى ، والكمال لله تعالى وحده. وارتأينا أن نتمّم عملنا بتقديم نبذة موجزة عن سيرة المؤلّف فنقول : هو (١) محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السّلماني ، نسبة إلى سلمان ، وسلمان حيّ من مراد من عرب اليمن القحطانيين. قرطبيّ الأصل ، ثم طليطليّه ، ثم لوشيّه ، ثم غرناطيّه.
يكنى أبا عبد الله ، ويلقّب بلسان الدين ، وهو من الألقاب المشرقية ، وقد أسبغ عليه الغني بالله لقب ذي الوزارتين ؛ لجمعه بين الوزارة والكتابة. ويقال له : «ذو العمرين» ؛ لاشتغاله بتدبير الحكم في نهاره ، والتصنيف في ليله.
ولد بمدينة لوشة في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة ٧١٣ ه ، وتوفي قتيلا بمدينة فاس في ربيع الأول من عام ٧٧٦ ه.
أصل سلفه بني سلمان ، كما مرّ معنا قبل قليل ، من عرب اليمن ، استقرّوا عقب الفتح بقرطبة ، ثم غادروها وانتقلوا مع كثير من المعارضين للحكم الرّبضي ، ومع أعلام الجالية القرطبية ، كيحيى بن يحيى الليثي وأمثاله ، عند وقعة الرّبض الشهيرة سنة ٢٠٢ ه إلى طليطلة واستقرّوا بها. وعندما شعروا بقرب سقوط طليطلة (٢) غادروا إلى لوشة.
__________________
(١) ترجمته وأخباره في الإحاطة (ج ٤ ص ٣٧٤ ـ ٣٩٠) وكتاب العبر (م ٧ ص ٦٣٦ ـ ٦٣٨ ، ٦٧٢ ، ٦٨٩ ـ ٦٩٧ ، ٧٠٧ ـ ٧١٠) والتعريف بابن خلدون (صفحات متفرّقة) ونثير فرائد الجمان (ص ٢٤٢) والدرر الكامنة (ج ٣ ص ٤٦٩) وجذوة الاقتباس (ص ١٨٧) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٥ ـ ١٩٥) وأزهار الرياض (ج ١ ص ١٨٦ ـ ٢٣٨) والأعلام (ج ٦ ص ١٣٥). وانظر أيضا مقدمات كتبه المحقّقة ، وهي كثيرة. كما كتب حوله عدة بحوث أهمها الدراسة الوافية التي كتبها الأستاذ محمد عبد الله عنان ، وصدرت في مجلد واحد بعنوان : «لسان الدين ابن الخطيب : حياته وتراثه الفكري» ، مكتبة الخانجي ، طبعة القاهرة ، ١٩٦٨.
(٢) سقطت طليطلة في يد ألفونسو السادس سنة ٤٧٨ ه.