قال : فأرسل إليه من هجم عليه ، وهو على هذا (١) الحال ، وأظهر إرضاء العامّة بقتله ، وذلك في سنة إحدى وثلاثين وستمائة (٢). ولا خفاء أنه من صدور الأندلس ، وأشدّهم عثورا على المعاني الغريبة المخترعة ، رحمه الله.
أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد
ابن خاتمة الأنصاري
من أهل ألمريّة ، يكنى أبا جعفر ، ويعرف بابن خاتمة (٣).
حاله : هذا (٤) الرجل صدر يشار إليه ، طالب متفنّن ، مشارك ، قويّ الإدراك ، سديد النّظر ، قوي الذهن ، موفور الأدوات ، كثير الاجتهاد ، معين الطبع ، جيّد القريحة ، بارع الخط ، ممتع المجالسة ، حسن الخلق ، جميل العشرة ، حسنة من حسنات الأندلس ، وطبقة في النظم والنثر ، بعيد المرقى في درجة الاجتهاد ، وأخذه بطرق الإحسان ؛ عقد الشروط ، وكتب عن الولاة ببلده ، وقعد للإقراء ببلده ، مشكور السّيرة ، حميد الطريقة ، في ذلك كله.
وجرى ذكره في كتاب «التّاج» بما نصّه (٥) : «ناظم درر الألفاظ ، ومقلّد جواهر الكلام نحور الرّواة ولبّات الحفّاظ ، والآداب (٦) التي أصبحت شواردها حلم النائم وسمر الأيقاظ ، وكم (٧) في بياض طرسها وسواد نقسها (٨) سحر الألحاظ (٩). رفع (١٠) في قطره راية هذا الشأن على وفور حلبته ، وقرع فنّه البيان على سموّ هضبته ، وفوّق سهمه إلى بحر الإحسان ، فأثبته في لبّته ؛ فإن أطال شأن الأبطال ، وكاثر المنسجم
__________________
(١) في المصدرين : «هذه».
(٢) كذا في النفح. وفي اختصار القدح : «إحدى وثمانين وستمائة» وهو خطأ. وفي المقتضب من كتاب تحفة القادم : قتل بسبتة سنة ٦٣٢ ه. وفي الذيل والتكملة (ج ١ ص ٣٨١) : قتل في أواخر ٦٣٢ ه أو أوائل ٦٣٣ ه.
(٣) ترجمة ابن خاتمة في الكتيبة الكامنة (ص ٢٣٩) ، ونثير فرائد الجمان (ص ٣٣١) ، ونيل الابتهاج ، طبعة فاس (ص ٥١) ، ونفح الطيب (ج ٨ ص ١٧١) ، ومواضع أخرى متفرقة. وانظر أيضا مقدمة ديوان ابن خاتمة ، بقلم محقّقه الدكتور محمد رضوان الداية ، حيث ثبت بأسماء مصادر ومراجع الترجمة.
(٤) النص أورده المقري في نفح الطيب (ج ٨ ص ١٧١) بتصرّف.
(٥) النص في الكتيبة الكامنة (ص ٢٣٩).
(٦) في الكتيبة : «ذو الآداب».
(٧) في الكتيبة : «وكمن».
(٨) في الأصل : «مقسها» والتصويب من الكتيبة الكامنة. والنّقس : المداد. محيط المحيط (نقس).
(٩) في الكتيبة : «اللحاظ».
(١٠) من هنا حتى قوله : «السباق جيادها» غير وارد في الكتيبة الكامنة.