ادّخار (١) نفائسه ، وبخله بنفائس ادّخاره ؛ ولا (٢) غرو أن يضيق عنّا نطاق الذّكر ، ولمّا يتّسع لنا سوار الشكر ؛ فقد عمّت هذه الأقطار بما شاءت من تحف ، بين تحف وكرامة ، واجتنت أهلها ثمرة الرحلة في ظلّ الإقامة ، وجرى الأمر في ذلك مجرى الكرامة. ألا وإنّ مفاتحتي لسيدي ومعظّمي ، حرس الله تعالى مجده ، وضاعف سعده! مفاتحة من ظفر من الدهر بمطلوبه ، وجرى له القدر على وفق مرغوبه ؛ فشرع له إلى أمله (٣) بابا ، ورفع له من خجله جلبابا ، فهو يكلف بالاقتحام ، ويأنف من الإحجام ، غير أنّ الحصر عن درج قصده يقيّده ، فهو (٤) يقدم والبصر يبهرج نقده فيقعده ؛ فهو يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى ، ويجدّد عزما ثم لا يتحرّى ؛ فإن أبطأ خطابي فلواضح الاعتذار (٥) ، ومثلكم لا يقبل حياة الأعذار ؛ والله عزّ وجلّ يصل إليكم عوائد الإسعاد والإسعاف ، ويحفظ لكم (٦) ما للمجد من جوانب وأكناف ، إن شاء الله تعالى.
كتب (٧) في العاشر من ربيع الأول عام ثمانية وأربعين وسبعمائة.
دخوله غرناطة : دخل غرناطة غير ما مرّة ، منها في استدعاء شمال الخواصّ من أهل الأقطار الأندلسية ، عند إعذار الأمراء في الدولة اليوسفيّة (٨) ، في شهر شعبان من عام أحد وخمسين وسبعمائة.
شعره : كان مجلّيا ، وأنشد في حلبة الشعراء قصيدة أولها (٩) : [الكامل]
أجنان خلد زخرفت أم مصنع؟ |
|
والعيد عاود أم صنيع يصنع؟ |
ومن شعره (١٠) : [الكامل]
من لم يشاهد موقفا لفراق |
|
لم يدر كيف تولّه العشّاق |
إن كنت لم تره فسائل من رأى |
|
يخبرك عن ولهي وهول سياقي (١١) |
من حرّ أنفاس وخفق جوانح |
|
وصدوع أكباد وفيض مآقي |
__________________
(١) في النفح : «ادخاره».
(٢) في النفح : «لا غرو».
(٣) في النفح : «أهله».
(٤) في النفح : «يقيّده ، والبصر يبهرج نقده فيقعده ، فهو يقدّم رجلا ...».
(٥) في النفح : «الأعذار ، ومثلكم من قبل جليات الأقدار ، والله سبحانه يصل لكم عوائلا ...».
(٦) في النفح : «بكم».
(٧) في النفح : «وكتب في عاشر ربيع ...».
(٨) أي دولة السلطان أبي الحجاج يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل (٧٣٣ ـ ٧٥٥ ه).
وترجمته في اللمحة البدرية (ص ١٠٢).
(٩) البيت في ديوان ابن خاتمة الأنصاري الأندلسي (ص ١٩٩).
(١٠) القصيدة في ديوان ابن خاتمة (ص ٢٠٠ ـ ٢٠٣) والكتيبة الكامنة (ص ٢٤٠ ـ ٢٤١).
(١١) في الأصل : «سياق» والتصويب من المصدرين.