ويستنبأ ما تطرف عنه العين وتختلج الجوارح ، استقراء (١) لمرامكم ، واستطلاعا لطالع اعتزامكم ، واستكشافا لمرامي (٢) سهامكم ، لا سيما مع إقامتكم على جناح خفوق ، وظهوركم في ملتمع بروق ، واضطراب الظّنون فيكم مع الغروب والشروق ؛ حتى تستقرّ بكم الدّار (٣) ، ويلقي عصاه التّسيار ؛ وله العذر في ذلك إذ صدعها بفراقكم لم يندمل (٤) ، وسرورها بلقائكم لم يكتمل ؛ فلم يبر (٥) بعد جناحها المهيض (٦) ، ولا جمّ ماؤها المغيض ، ولا تميّزت من داجيها لياليها البيض ؛ ولا استوى نهارها ، ولا تألقت أنوارها (٧) ، ولا اشتملت نعماؤها ، ولا نسيت غمّاؤها ؛ بل هي كالنّاقه (٨) ، والحديث العهد بالمكاره ، تستشعر (٩) نفس العافية ، وتتمسّح (١٠) منكم باليد الشافية ؛ فبحنانكم (١١) عليها ، وعظيم (١٢) حرمتكم على من لديها ، لا تشربوا لها عذب المجاج بالأجاج ، وتقنطوها (١٣) مما عوّدت من طيب المزاج ، فما لدائها ، وحياة قربكم غير طبّكم من علاج. وإني ليخطر بخاطري محبة فيكم ، وعناية بما يعنيكم ، ما نال جانبكم صانه الله بهذا الوطن من الجفاء ، ثم أذكر ما نالكم من حسن العهد وكرم الوفاء ، وأنّ الوطن إحدى المواطن الأظآر التي يحقّ لهنّ جميل الاحتفاء ، وما يتعلّق بكم من حرمة أولياء القرابة وأولي (١٤) الصّفاء ، فيغلب على ظني أنكم لحسن العهد أجنح ، وبحقّ نفسكم على أوليائكم أسمح ، والتي (١٥) هي أعظم قيمة في (١٦) فضائلكم أوهب وأمنح (١٧) ؛ وهب أنّ الدّرّ لا يحتاج في الإثباب إلى شهادة النّحور واللبّات ، والياقوت غني المكان ، عن مظاهرة القلائد والتّيجان ؛ أليس أنّه أعلى للعيان ، وأبعد عن مكابرة البرهان ، تألقها في تاج الملك أنوشروان؟ والشمس (١٨) وإن
__________________
ـ وكان بعض العرب يتفاءل بالسانح ويتشاءم بالبارح ، وكان بعضهم على العكس. لسان العرب (سنح) و (برح).
(١) استقراء لمرامكم : تتبعا لمواضع رغبتكم.
(٢) في المصدرين : «عن مرامي».
(٣) في المصدرين : «الديار».
(٤) يندمل الصّدع : يصلح ؛ يقال : اندمل الجرح إذا شفي ، والصّدع : الشّقّ.
(٥) كذا في أزهار الرياض. وفي النفح : «يبرأ».
(٦) المهيض : المكسور. لسان العرب (هيض).
(٧) في النفح : «ولا تألّفت أنهارها».
(٨) الناقه : من شفي من مرضه ولم ترجع قوته بعد. لسان العرب (فقه).
(٩) في النفح : «يستشعر».
(١٠) في النفح : «ويتمسّح».
(١١) في الأصل : «فبحياتكم» ، والتصويب من المصدرين.
(١٢) في النفح : «وعظم».
(١٣) في المصدرين : «وتفطموها عمّا».
(١٤) في المصدرين : «وأودّاء».
(١٥) في المصدرين : «وللتي».
(١٦) في المصدرين : «من».
(١٧) في المصدرين : «وأسجح».
(١٨) في المصدرين : «فالشمس».