نكبته : زعموا أنه كان أقوى الأسباب فيما وقع بين أميره زهير ، وبين باديس أمير غرناطة ، من المفاسدة ، وفصل صحبه إلى وقم باديس وقبيله ، وحطّه في حيّز هواه وطاعته ، وكان ما شاء الله من استيلاء باديس على جملتهم ، ووضع سيوف قومه فيهم ، وقتل زهير ، واستئصال محلّته ؛ وقبض يومئذ على أحمد بن عباس ، وجيء به إلى باديس ، وصدره يغلي حقدا عليه ، فأمر بحبسه ، وشفاؤه الولوغ في دمه ، وعجل عليه بعد دون أصحابه من حملة الأقلام. قال ابن حيان (١) : حديث ابن عباس أنه كان قد ولع (٢) ببيت شعر صيّره هجواه أوقات لعبه بالشطرنج ، أو معنى يسنح له مستطيلا بجدّه : [المتقارب]
عيون الحوادث عنّي نيام |
|
وهضمي على الدهر شيء حرام |
وشاع (٣) بيته هذا عند (٤) الناس ، وغاظهم ، حتى قلب له مصراعه بعض الشعراء (٥) فقال :
«سيوقظها (٦) قدر لا ينام»
فما كان إلّا «كلا» و «لا» حتى (٧) تنبّهت الحوادث لهضمه ، انتباهة انتزعت منه نخوته وعزّته ، وغادرته أسيرا ذليلا يرسف في وزن أربعين رطلا (٨) من قيده ، منزعجا من عضّه لساقه البضّة ، التي (٩) تألمت من ضغطة جوربه ، يوم (١٠) أصبح فيه أميرا مطاعا ، أعتى (١١) الخلق على بابه ، وآمنهم بمكره ، فأخذه أخذ مليك مقتدر ، والله غالب على أمره.
وفاته : قال أبو مروان (١٢) : كان باديس قد أرجأ قتله مع جماعة من الأسرى ، وبذل في فداء نفسه ثلاثين ألف دينار من الذّهب العين ، مالت إليها نفس باديس إلّا أنه عرض ذلك على أخيه بلكّين ، فأنف منه ، وأشار عليه بقتله ، لتوقعه إثارة فتنة أخرى على يديه ، تأكل من ماله أضعاف فديته. قال : فانصرف يوما من بعض ركباته مع أخيه (١٣) ، فلمّا توسّط الدار التي فيها
__________________
(١) النص في الذخيرة (ق ١ ص ٦٦٨ ـ ٦٦٩).
(٢) في الذخيرة : «أولع».
(٣) في الذخيرة : «وذاع».
(٤) في الذخيرة : «في».
(٥) في الذخيرة : «الأدباء».
(٦) في الذخيرة : «سيوقظنا».
(٧) في الذخيرة : «إلّا كلّا حتى».
(٨) كلمة «رطلا» ساقطة في الذخيرة.
(٩) في الذخيرة : «التي طالما تألمت».
(١٠) في الذخيرة : «غبّ».
(١١) في الذخيرة : «أعتى خلق الله على بابه ، وآمنهم لمكر ربّه».
(١٢) النص في الذخيرة (ق ١ ص ٦٦٣ ـ ٦٦٤) وبعض منه في البيان المغرب (ج ٣ ص ١٧٢).
(١٣) في الذخيرة والبيان المغرب : «أخيه بلقين».