«فصرع والحمد (١) لله لحينه ، وبادرت إليه بوادر منونه ، وأتته وافدات الخطيئات عن يساره ، ويمينه ، وكان (٢) يدّعي أن المنيّة في هذه الأعوام لا تصيبه ، ويزعم أنه يبشّر بذلك والنوائب لا تنوبه ؛ ويقول في سواه قولا كثيرا ، ويختلق على الله إفكا وزورا ؛ فلما عاينوا (٣) هيئة اضطجاعه ، ورأوا ما خطّته (٤) الأسنة في أعضائه (٥) ، ونفذ فيه من أمر الله ما لم يقدروا على استرجاعه ؛ هزم لهم من كان لهم من الأحزاب ، وتساقطوا على وجوههم كتساقط (٦) الذّباب ، وأعطوا عن بكرة أبيهم صفحة (٧) الرّقاب ، ولم تقطر كلومهم إلّا على الأعقاب (٨) ؛ فامتلأت تلك الجهات بأجسادهم ، وأذنت (٩) الآجال بانقراض آمالهم (١٠) ، وأخذهم الله بكفرهم وفسادهم ؛ فلم يعاين منهم إلّا من خرّ صريعا ، وسقى الأرض نجيعا (١١) ، ولقي من وقع (١٢) الهنديّات أمرا فظيعا ؛ ودعت الضرورة باقيهم إلى التّرامي في الوادي ، فمن كان يؤمل الفرار منهم ويرتجيه ، ويسبح طامعا في الخروج إلى ما ينجيه ، اختطفته الأسنّة اختطافا ، وأذاقته موتا ذعافا (١٣) ؛ ومن لجّ في الترامي على لججه ، ورام البقاء في ثجّه (١٤) ، قضى عليه شرقه ، وألوى فرقته (١٥) غرقه. ودخل الموحّدون إلى الباقية (١٦) الكائنة فيه ، يتناولون قتالهم طعنا وحربا (١٧) ، ويلقونهم بأمر الله هونا (١٨) عظيما وكربا ، حتى سطت (١٩) مراقات الدماء على صفحات الماء ، وحكت حمرتها على زرقه حمرة الشّفق على زرق (٢٠) السماء ؛ وظهرت (٢١) العبرة للمعتبر ، في جري الدماء (٢٢) جري الأبحر».
__________________
(١) في النفح : «بحمد الله».
(٢) في النفح : «وقد كان يدّعي أنه بشّر بأن المنيّة ...».
(٣) في النفح : «رأوا».
(٤) في النفح : «وما خطته».
(٥) في النفح : «أعضائه وأضلاعه».
(٦) في النفح : «تساقط».
(٧) في النفح : «صفحات».
(٨) كناية عن جبنهم وفرارهم ، وقد أخذ هذا من قول الشاعر : [الطويل]
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا |
|
ولكن على أعناقنا يقطر الدّما |
لسان العرب (دمي).
(٩) في النفح : «وآذنت».
(١٠) في النفح : «آمادهم».
(١١) النجيع : الدم. لسان العرب (نجع).
(١٢) في النفح : «من أمر الهنديات فظيعا».
(١٣) يقال : السّمّ الذعاف ، أي القاتل لحينه. لسان العرب (ذعف).
(١٤) في النفح : «ثبجه».
(١٥) في النفح : «بذقنه».
(١٦) في النفح : «البقية».
(١٧) في النفح : «وضربا».
(١٨) في النفح : «هولا».
(١٩) في النفح : «حتى انبسطت مراقات الداء».
(٢٠) في النفح : «زرقة».
(٢١) في النفح : «وجرت».
(٢٢) في النفح : «في جري ذلك الدم».