في القتال عرفوه ، وقالوا : هامشك ، معناه ترى المقطوع الأذن ، إذ «ها» عندهم قريب مما هي في اللغة العربية ، و «المشك» المقطوع الأذنين في لغتهم (١).
نباهته وظهوره : ولمّا خرج بنو هود عن سرقسطة ، نشأ تحت خمول ، إلّا أنه شهم متحرّك ، خدم بعض الموحّدين في الصّيد ، وتوسّل بدلالة الأرض ؛ ثم نزع إلى ملك قشتالة واستقرّ مع النصارى ؛ ثم انصرف إلى بقيّة اللّمتونيين (٢) بالأندلس بعد شفاعة وإظهار توبة. ولمّا ولّي يحيى بن غانية قرطبة ، ارتسم لديه برسمه. ثم كانت الفتنة عام تسعة وثلاثين وثار ابن حمدين بقرطبة ، وتسمّى بأمير المؤمنين ، فبعثه رسولا ثقة بكفايته ودربته وعجمة لسانه ؛ لمحاولة الصلح بينه وبين ابن حمدين ، فأغنى ونبه قدره ؛ ثم غلي مرجل الفتنة وكثر الثوّار بالأندلس ، فاتصل بالأمير ابن عياض بالشرق وغيره ، إلى أن تمكّن له الامتزاز (٣) بحصن شقوبش ، ثم تغلّب على مدينة شقورة (٤) وتملّكها وهي ما هي من النّعمة ، فغلظ أمره ، وساوى محمد بن مردنيش (٥) أمير الشرق وداخله ، حتى عقد معه صهرا على ابنته ، فاتصلت له الرياسة والإمارة. وكان يعدّ سيفا لصهره المذكور ، مسلّطا على من عصاه ، فقاد الجيوش ، وافتتح البلاد إلى أن فسد ما بينهما ، فتفاتنا وتقاطعا ، وانحاز بما لديه من البلاد والمعاقل ، وعدّ من ثوّار الأندلس أولي الشوكة الحادّة ، والبأس الشديد ، والشّبا المرهوب. وآثاره بعد انقباض دولته تشهد بما تأثّل من ملك وسلف من الدولة ؛ والدّار الآخرة خير لمن اتّقى. قال ابن صفوان : [الخفيف]
وديار شكوى الزمان فتشك |
|
حدّثتنا عن عزّة ابن همشك |
حاله : قال محمد بن أيوب بن غالب ، المدعو بابن حمامة : أبو إسحاق الرئيس ، شجاع بهمة (٦) من البهم. كان رئيسا شجاعا مقداما شديد الحزم ، سديد
__________________
(١) المشك بلغة الإسبان : mocho ، وتعني المقطوع الرأس.
(٢) اللمتونيون : هم المرابطون ، وينسبون إلى قبيلة لمتونة.
(٣) الامتزاز هنا بمعنى الامتناع.
(٤) شقورة ، بالإسبانيةSegura de Sierra : مدينة من أعمال جيان بالأندلس. الروض المعطار (ص ٣٤٩).
(٥) هو أبو عبد الله محمد بن سعد الجذامي ابن مردنيش ، أمير شرق الأندلس (مرسية وبلنسية). توفي بمرسية سنة ٥٦٧ ه. أعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٥٩) ، والمن بالإمامة (ص ١٠٩ ، ٢١٠) ، والحلّة السيراء (ج ٢ ص ٢٣١ ـ ٢٣٣).
(٦) البهمة : الشجاع الذي لا يدرى من أين يأتي لشدة بأسه ، أو كيف يؤتى لاستبهام حاله. محيط المحيط (بهم).