[الطويل]
تذكّرت ما بين العذيب وبارق |
|
مجرّ عوالينا ومجرى السّوابق |
وصحبة قوم يذبحون قنيصهم |
|
بفضلات (١) ما قد كسّروا في المفارق |
وقد رأيت من يروي هذه الحكاية عن أحد أمراء بني مردنيش ، وعلى كل حال فهي من مستظرف الأخبار.
دخوله غرناطة : قالوا ، وفي سنة ست وخمسين وخمسمائة (٢) ، في جمادى الأولى منها ، قصد إبراهيم بن همشك بجمعه مدينة غرناطة ، وداخل طائفة من ناسها ، وقد تشاغل الموحّدون بما دهمهم من اختلاف الكلمة عليهم بالمغرب ، وتوجّه الوالي بغرناطة السيد أبي سعيد إلى العدوة ، فاقتحمها ليلا واعتصم الموحّدون بقصبتها ؛ فأجاز بهم بأنواع الحرب ، ونصب عليهم المجانيق ، ورمى فيها من ظفر به منهم وقتلهم بأنواع من القتل. وعندما اتصل الخبر بالسيد أبي سعيد ، بادر إليها فأجاز البحر ، والتفّ به السيد أبو محمد بن أبي حفص بجميع جيوش الموحّدين والأندلس ؛ ووصل الجميع إلى ظاهر غرناطة ، وأصحر إليهم ابن همشك ، وبرز منها ، فالتقى الفريقان بمرج الرّقاد (٣) من خارجها ، ودارت الحرب بينهم ، فانهزم جيش الموحّدين ، واعترضت الفلّ تخوم الفدادين (٤) وجداول المياه التي تتخلّل المرج (٥) ، فاستولى عليهم القتل ، وقتل في الوقيعة السيد أبو محمد ؛ ولحق السيد أبو سعيد بمالقة ؛ وعاد ابن همشك إلى غرناطة فدخلها بجملة من أسرى القوم ، أفحش فيهم المثلة ، بمرأى من إخوانهم المحصورين ؛ واتصل الخبر بالخليفة بمراكش ، وهو بمقربة سلا ، قد فرغ من أمر عدوّه ، فجهّز جيشا ، أصحبه السيد أبا يعقوب ولده ، والشيخ أبا يوسف بن سليمان زعيم وقته ، وداهية زمانه ؛ فأجازوا البحر ، والتقوا بالسيد أبي سعيد بمالقة ،
__________________
(١) في الديوان : «بفظة».
(٢) في أعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٦١) تحدّث ابن الخطيب عن هذه المعركة وقال إن ابن مردنيش وجّه صهره القائد أبا الحسن ابن همشك إلى محاصرة غرناطة في جمادى الأولى من عام ٥٥٧ ه.
(٣) مرج الرقاد : موضع بظاهر غرناطة ، على نحو أربعة أميال من غرناطة ، ويقابلها بالإسبانية : Merrojal. أعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٦١) ، وتاريخ المن بالإمامة (ص ١٨٧) ، والحلّة السيراء (ج ٢ ص ٢٥٨).
(٤) الفدادون : الرعيان والبقّارون والفلاحون والمكثرون من الإبل ، والمراد هنا : الحدائق والبقاع. محيط المحيط (فدد).
(٥) هو مرج غرناطة الشهير ، وهو عبارة عن سهل أفيح وغوطة فيحاء. راجع مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ٤١).