وانحطاطا في ذمّة التّخلّق ، فسعيا إليه مرتجلين ، وفاوضهما ، حتى قضيت الحقوق ، واستفرجت تفقّده وجرايته ، وحلّا بأحظى الأمكنة ، واحتفيا في سرير مجلسه مقسوم بينهما الحظّ ، من هشّته ولحظته. فأما محمد ، فسوّلت له نفسه الأطماع ، واستفزّته الأهواء ، أمرا كان قاطع أجله ، وسعد أخيه ، اختاره الله من دونه. وأمّا إبراهيم المترجم به ، فجنح إلى أهل العافية ، بعد أن ناله اعتقال ، بسبب إرضاء أخيه أمير المسلمين فارس ، في الأخريات لشهر ذي حجة من عام تسعة وخمسين وسبعمائة ، وتقديم ولده الصبيّ ، المكنى بأبي بكر ، المسمّى بسعيد ؛ لنظر وزيره في الحزم والكفاية ، حرّكه الاستدعاء ، وأقلقته الأطماع وهبّ به السائل ، وعرّض بغرضه إلى صاحب الأمر بالأندلس ، ورفق عن صبوحه ، فشكا إلى غير مصمت ، فخرج من الحضرة ليلا من بعض مجاري المياه ، راكبا للخطر ، في أخريات جمادى الأولى من العام بالحضرة المكتبة الجوار ، من ثغور العدو ، ولحق بملك قشتالة ، وهو يومئذ بإشبيلية ، قد شرع في تجرية إلى عدوّه من برجلونة ، فطرح عليه نفسه ، وعرض عليه مخاطبات استدعائه ، ودسّ له المطامع المرتبطة بحصول غايته ، فقبل سعايته ، وجهّز له جفنا من أساطيله ، أركب فيه ، في طائفة تحريكه ، وطعن بحر المغرب إلى ساحل أزمور (١) ، وأقام به منتظرا إلى إنجاز المواعد ، ممّن بمرّاكش ، فألفى الناس قد حطبوا في حبل منصور بن سليمان ، وبايعوه بجملتهم ، فأخفق مسعاه ، وأخلف ظنّه ، وقد أخذ منصور بمخنّق البلد الجديد دار ملك فاس ، واستوثق له الأمر ، فانصرف الجفن أدراجه. ولمّا حاذى لبلاد غمارة من أحواز أصيلا (٢). تنادى (٣) به قوم منهم ، وانحدروا إليه ، ووعدوه الوفاء له ، فنزل إليهم ، واحتملوه فوق أكتادهم ، وأحدقوا به في سفح جبلهم ، وتنافسوا في الذّبّ عنه ، ثم كبسوا أصيلا فملكوها ، وضيّق بطنجة ، فدخلت في أمره ، واقتدت بها سبتة وجبل الفتح ، واتصل به بعض الخاصّة ، وخاطبه الوزير المحصور ، وتخاذل أشياع منصور ، فخذلوه ، وفرّوا عنه جهارا بغير علّة ، وانصرفت الوجوه إلى السلطان أبي سالم ، فأخذ بيعاتهم عفوا ، ودخل البلد المحصور ، وقد تردّد بينه وبين الوزير المحصور مخاطبات في ردّ الدعوة إليه ، فدخل البلد يوم الخميس خامس عشر (٤) شعبان من عام التاريخ ، واستقرّ وجدّد الله عليه أمره ، وأعاد ملكه ، وصرف عليه حقّه ؛ وبلي هذا الأمير من سير الناس إلى تجديد
__________________
(١) أزمور أو أزمورة : بلد بالمغرب في جبال البربر. معجم البلدان (ج ١ ص ١٦٩).
(٢) أصيلا أو أصيلة : مدينة كبيرة بقرب طنجة ، كثيرة الخير والخصب ، كان لها مرسى مقصود. الروض المعطار (ص ٤٢).
(٣) في الأصل : «تنادوا».
(٤) في الأصل : «عشرة».