عهد أبيه ، وطاعتهم إلى أمره ، وجنوحهم إلى طاعته ، وتمنّي مدّته ، حال غريبة صارت عن كثب إلى أضدادها ، فصرف ولده إلى اجتثاث شجرة أبيه ، فالتقط من الصّبية بين مراهق ومحتلم ومستجمع ، طائفة تناهز العشرين ، غلمانا ردنة ، قتلوا إغراقا من غير شفعة توجب إباحة قطرة من دمائهم ، ورأى أن قد خلا له الجوّ ، فتواكل ، وآثر الحجبة ، وأشرك الأيدي في ملكه ، فاستبيحت أموال الرعايا ، وضاقت الجبايات ، وكثرت الظلامات ، وأخذ الناس حرمان العطاء ، وانفتحت أبواب الإرجاف ، وحدّت أبواب القواطع ، إلى أن كان من أمره ما هو معروف.
وفي أول من شهر رجب عام واحد وستين وسبعمائة ، تحرّك الحركة العظمى إلى تلمسان ، وقد استدعى الجهات ، وبعض البلاد ، ونهد في جيوش تجرّ الشوك والحجر ، ففرّ سلطانها أمام عزمه ، وطار الذّعر بين يدي الضّلالة ، وكنّا قد استغثنا القرار في إيالته ، وانتهى بنا الإزعاج إلى ساحل سلا من ساحل مملكته فخاطبته وأنا يومئذ مقيم بتربة أبيه ، متذمّم بها ، في سبيل استخلاص أملاكي بالأندلس ، في غرض التهنئة والتوسّل :
«مولاي ، فتّاح الأقطار والأمصار ، فائدة الزمان والأعصار ، أثير هبات الله الآمنة من الاعتصار ، قدوة أولي الأيدي والأبصار».
وفاته : وفي ليلة العشرين من شهر ذي قعدة من عام اثنين وستين وسبعمائة ، ثار عليه بدار الملك ، وبلد الإمارة المعروف بالبلد الجديد ، من مدينة فاس ، الغادر مخلفه عليها عمر بن عبد الله بن علي ، نسمة السوء ، وجملة الشؤم ، المثل البعيد في الجرأة على قدر ، اهتبل (١) غرّة انتقاله إلى القصر السلطاني بالبلد القديم ، محتولا إليه ، حذرا من قاطع فلكيّ الجدر منه استعجله ضعف نفسه ، وأعانه على فرض صحته به ، وسدّ الباب في وجهه ، ودعا الناس إلى بيعة أخيه المعتوه ، وأصبح حائرا بنفسه ، يروم استرجاع أمر ذهب من يده ، ويطوف بالبلد ، يلتمس وجها إلى نجاح حيلته ، فأعياه ذلك ، ورشقت من معه السهام ، وفرّت عنه الأجناد والوجوه ، وأسلمه الدهر ، وتبرّأ منه الجدّ. وعندما جنّ عليه الليل ، فرّ على وجهه ، وقد التفت عليه الوزراء ، وقد سفّهت أحلامهم ، وفالت آراؤهم ، ولو قصدوا به بعض الجبال المنيعة ، لولّوا وجوههم شطر مظنّة الخلاص ، واتّصفوا بعذار الإقلاع ، لكنهم نكلوا عنه ، ورجعوا أدراجهم ، وتسلّلوا راجعين إلى برّ غادر الجملة ، وقد سلبهم الله لباس الحياء والرّجلة ، وتأذّن الله لهم بسوء العاقبة ، وقصد بعض بيوت البادية ، وقد فضحه نهار
__________________
(١) اهتبل : احتال. لسان العرب (هبل).