ولمكان (١) استدبار الكنبانيّة واضطبار (٢) البراجلات ؛ بحر من بحور الحنطة ، ومعدن للحبوب المفضلة ، ولمكان شلير ، جبل الثلج (٣) ، أحد مشاهير جبال الأرض ، الذي ينزل به الثلج شتاء وصيفا ، وهو على قبلة منها على فرسخين ؛ وينساب منه ستة وثلاثون نهرا من فوّهات الماء ، وتنبجس من سفوحه العيون ، صحّ منها الهواء ، واضطردت في أرجائها وساحاتها المياه ، وتعدّدت الجنّات بها والبساتين ، والتفّت الأدواح ، وشمّر الرّوّاد على منابت العشب في مظانّ العقار مستودعات الأدوية والتّرياقيّة. وبردها لذلك في المنقلب الشتوي شديد ، وتجمد بسببه الأدهان والمائعات ، ويتراكم بساحاتها الثلج في بعض السنين ، فجسوم أهلها لصحّة الهواء صلبة ، وسحانهم خشنة ، وهضومهم قويّة ، ونفوسهم لمكان الحرّ الغريزي جريّة (٤).
وهي دار منعة وكرسي ملك ، ومقام حصانة. وكان ابن غانية (٥) يقول للمرابطين في مرض موته ، وقد عوّل عليها للامتساك بدعوتهم : الأندلس درقة ، وغرناطة قبضتها ؛ فإذا جشّمتم يا معشر المرابطين القبضة ، لم تخرج الدرقة من أيديكم.
ومن أبدع ما قيل في الاعتذار عن شدّة بردها ، ما هو غريب في معناه ، قول شيخنا القاضي أبي بكر بن شبرين رحمه الله (٦) : [الطويل]
رعى الله من غرناطة متبوّءا |
|
يسرّ كئيبا (٧) أو يجير طريدا |
تبرّم منها صاحبي عندما (٨) رأى |
|
مسارحها بالبرد (٩) عدن جليدا |
هي الثّغر صان الله من أهلت به |
|
وما خير ثغر لا يكون برودا؟ |
__________________
(١) كلمة «ولمكان» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من اللمحة البدرية.
(٢) في اللمحة : «واضطبان».
(٣) هو جبل شلير ، أحد مشاهير جبال الأرض ، وقد أسموه بجبل الثلج ؛ لأن الثلج لا يفارقه شتاء ولا صيفا. ويسمى بالإسبانيةSierra Nevada ، أي سلسلة الجبال الثلجية ، راجع مملكة غرناطة في عهد بني زيري (ص ٤٣).
(٤) جريّة : أي جريئة.
(٥) هو أبو زكريا يحيى بن إسحاق المسوفي ، المعروف بابن غانية ، أمير مرسية وبلنسية وقرطبة وغرب الأندلس من قبل علي بن يوسف بن تاشفين المرابطي. قاوم الموحدين في أول استيلائهم على الأندلس فقتلوه سنة ٥٤٣ ه.
(٦) الأبيات في تاريخ قضاة الأندلس (ص ١٩١) ، ونفح الطيب (ج ١ ص ١٧٤) ، ورحلة ابن بطوطة (ص ٦٧٠ ـ ٦٧١) وجاء فيه أن قائل الأبيات هو أبو بكر محمد بن أحمد بن شيرين البستي نزيل غرناطة. وانظر أيضا : مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ٤٦).
(٧) في رحلة ابن بطوطة والنفح : «حزينا».
(٨) في تاريخ قضاة الأندلس : «بعدما».
(٩) في رحلة ابن بطوطة والنفح : «بالثلج».