أخوه الأمير أبو زكريا مقعده ، وأخذ بيعة الجند والخاصّة لنفسه ، مستبدّا بأمره ، ورحل إلى تونس ، فأخذ بيعة العامّة ، وقتل السّيد الذي كان بقصبتها ؛ وقبض أهل بجاية حين بلغهم الخبر على واليها السّيد أبي عمران ، فقتلوه تغريقا ؛ وانتظمت الدولة ، وتأثّل الأمر. وكان حازما داهية مشاركا في الطّلب ، أديبا راجح العقل ، أصيل الرأي ، حسن السياسة ، مصنوعا له ، موفقا في تدبيره ؛ جبى الأموال ، واقتنى العدد ، واصطنع الرجال ، واستكثر من الجيش ، وهزم العرب ، وافتتح البلاد ، وعظمت الأمنة بينه وبين الخليفة بمراكش الملقّب بالسّعيد. وعزم كلّ منهما على ملاقاة صاحبه ، فأبى القدر ذلك ؛ فكان من مهلك السعيد بظاهر تلمسان ما هو معروف. واتصل بأبي زكريا هلك ولده وليّ العهد أبي يحيى ببجاية ، فعظم عليه حزنه وأفرط جزعه ، واشتهر من رثائه فيه قوله : [الطويل]
ألا جازع يبكي لفقد حبيبه |
|
فإني لعمري قد أضرّ بي الثّكل |
لقد كان لي مال وأهل فقدتهم |
|
فهأنا لا مال لديّ (١) ولا أهل |
سأبكي وأرثي حسرة لفراقهم |
|
بكاء قريح لا يملّ ولا يسلو (٢) |
فلهفي ليوم فرّق الدهر بيننا |
|
ألا فرج يرجى فينتظم الشّمل؟ |
وإني لأرضى بالقضاء وحكمه |
|
وأعلم ربّي أنه حاكم عدل |
نسبه ابن عذاري المراكشي في البيان المغرب (٣). واعتلّ بطريقه فمات ببلد العنّاب لانقضاء أربعة من مهلك السعيد ؛ وكان موت السعيد ؛ يوم الثلاثاء ، منسلخ صفر سنة ست وأربعين وستمائة. وبويع ولده الأمير أبو عبد الله بتونس وسنّه إحدى وعشرين سنة ، فوجد ملكا مؤسّسا ، وجندا مجنّدا ، وسلطانا قاهرا ومالا وافرا ؛ فبلغ الغاية في الجبروت والتّيه والنّخوة والصّلف ، وتسمّى بأمير المؤمنين ، وتلقّب بالمستنصر بالله ؛ ونقم عليه أرباب دولته أمورا أوجبت مداخلة عمّه أبي عبد الله بن عبد الواحد ، المعروف باللّحياني. ومبايعته سرّا بداره ، وانتهى الخبر للمستنصر ، فعاجل الأمر قبل انتشاره برأي الحزمة من خاصّته ، كابن أبي الحسين ، وأبي جميل بن أبي الحملات بن مردنيش ، وظافر الكبير ، وقصدوا دار عمّه فكبسوها ، فقتلوا من كان بها ، وعدّتهم تناهز خمسين ، منهم عمّه ، فسكن الإرجاف ، وسلم المنازع ، وأعطت
__________________
(١) في الأصل : «... لديّ أهل ولا أهل». وهكذا لا يستقيم الوزن والمعنى.
(٢) في الأصل : «ولا يسل».
(٣) نسب أبي عبد الله الناصر لدين الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن في البيان المغرب ـ قسم الموحدين (ص ٢٣٦).