مقادها ، واستمرّت أيّامه. وأخباره في الجود والجرأة والتّعاظم على ملوك زمانه ، مشهورة. وكانت وفاته سنة أربع وسبعين وستمائة وولي أمره بعده ابنه الملقّب بالواثق بالله ، وكان مضعوفا ، ولم تطل مدته.
عاد الحديث ، وكان عمّه المترجم ، لمّا اتصل به مهلك أخيه المستنصر ، قد أجاز البحر من الأندلس ، ولحق بتلمسان ، وداخل كثيرا من الموحّدين بها ، كأبي هلال ، فهيّأ له أبو هلال تملّك بجاية ، ثم تحرّك إلى تونس ، فتغلّب عليها ، فقتل الواثق وطائفة من إخوته وبنيه ، منهم صبيّ يسمّى الفضل ، وكان أنهضهم ، واستبدّ بالأمر ، وتمّت بيعته بإفريقية ، وكان من الأمر ما يذكر.
حاله : كان أيّدا (١) ، جميلا وسيما ، ربعة بادنا ، آدم اللون ، شجاعا بهمة ، عجلا غير مراخ ، ولا حازم ، منحطّا في هوى نفسه ، منقادا للذّته ، بريئا من التشمّت في جميع أمره. وولي الخلافة في حال كبره ، ووخطه الشيب ، وآثر اللهو ، حتى زعموا أنه فقد فوجد في مزرعة باقلا مزهرة ألفي فيها بعد جهد ، نائما بينها ، نشوان يتناثر عليه سقطها ؛ واحتجب عن مباشرة سلطانه ؛ فزعموا أن خالصته (٢) أبا الحسن بن سهل ، داخل الناس بولده أبي فارس في خلعه ، والقيام مكانه ، وبلغه ذلك ، فاستعدّ وتأهّب ، واستركب الجند ، ودعا ولده ، فأحضره ينتظر الموت من يمينه وشماله ، وأمر للحين فقتل وطرح بأزقّة المدينة ، وعجّل بإزعاج ولده إلى بجاية ، وعاد إلى حاله.
دخوله غرناطة : قالوا : ولمّا أوقع الأمير المستنصر بعمّه أبي عبد الله ، كان أخوه أبو إسحاق ، ممّن فرّ بنفسه إلى الأندلس ؛ ولجأ إلى أميرها أبي عبد الله بن الغالب بالله أبي عبد الله بن نصر ، ثاني ملوكهم (٣) فنوّه به ، وأكرم نزله ، وبوّأه بحال عنايته ، وجعل دار ضيافته لأول نزوله القصر المنسوب إلى السّيد (٤) خارج حضرته ،
__________________
(١) الأيّد : القوي. لسان العرب. (أيد).
(٢) الخالصة هنا : الصفيّ وموضع الثقة. لسان العرب (خلص).
(٣) هو محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، وقد حكم غرناطة من سنة ٦٧١ ه إلى سنة ٧٠١ ه. ترجمته في اللمحة البدرية (ص ٥٠) وسترد له ترجمة إضافية في هذا الجزء من الإحاطة.
(٤) هو أبو إسحاق بن يوسف الموحدي ، ولّي غرناطة سنة ٦١٥ ه ، وبنى قصرا خارج مدينة غرناطة عرف باسمه. وفي عصر بني نصر استعمل هذا القصر للضيافة. وما يزال حتى يومنا هذا بعض منه وقد زرته غير مرة ، وهو عبارة عن بهو مربع ذي قبة عالية على جوانبها شعار بني نصر : «لا غالب إلّا الله».