وهو آثر قصوره لديه ، وحضر غزوات أغزاها ببلاد الروم ، فظهر منه في نكاية العدو وصدامه سهولة وغناء.
ولمّا اتصل به موت أخيه تعجّل الانصراف ، ولحق بتلمسان ، وداخل منها كبيرا من الموحّدين ، يعرف بأبي هلال بباجة كما تقدم ، فملّكه أبو هلال منها بجاية ، ثم صعد تونس فملكها ، فاستولى على ملك ابن أخيه وما ثمّ من ذمّه ، وارتكب الوزر الأعظم فيمن قتل معه ، وكان من أمره ما يأتي ذكره إن شاء الله.
إدبار أمره بهلاكه على يد الدّعيّ الذي قيّضه الله لهلاك حينه :
قالوا : واتّهم بعد استيلائه على الأمر فتى من أخصّاء فتيان المستنصر ؛ اسمه نصير ، بمال وذخيرة ؛ وتوجّه إليه طلبه ، ونال منه. وانتهز الفتى فرصة لحق فيها بالمغرب واستقرّ بحلال المراعمة من عرب دبّاب ، وشارع الفساد عليه ، بجملة جهده ، حريصا على إفساد أمره ، وعثر لقضاء الله وقدره بدعيّ من أهل بجاية يعرف بابن أبي عمارة.
حدّثني الشيخ المسنّ الحاج أبو عثمان اللّواتي من عدول المياسين ، متأخر الحياة إلى هذا العهد ؛ قال : خضت مع ابن أبي عمارة ببعض الدكاكين بتونس ، وهو يتكهّن لنفسه ما آل إليه أمره ، ويعدّ بعض ما جرى به القدر. وكان أشبه الخلق بأحد الصبية الذين ماتوا ذبحا ، بالأمير أبي إسحاق ، وهو الفضل ، فلاحت لنصير وجه حيلته ، فبكى حين رآه ، وأخبره بشبهه بمولاه ، ووعده الخلافة ؛ فحرّك نفسا مهيّأة في عالم الغيب المحجوب إلى ما أبرزته المقادر ، فوجده منقادا لهواه ، فأخذ في تلقينه ألقاب الملك ، وأسماء رجاله ، وعوائده ، وصفة قصوره ، وأطلعه على إمارات جرت من المستنصر لأمراء العرب سرّا كان يعالجها نصير ، وعرضه على العرب ، بعد أن أظهر العويل ، ولبس الحداد ، وأركبه ، وسار بين يديه حافيا ، حزنا لما ألفاه عليه من المضيعة ، وأسفا لما جرى عليه ، فبايعته العرب النافرة ، وأشادوا بذكره ، وتقوّوا بما قرّره من إمارته ؛ فعظم أمره ، واتصل بأبي إسحاق نبأه فبرز إليه ، بعد استدعاء ولده من بجاية ، فالتقى الفريقان ، وتمّت على الأمير أبي إسحاق الهزيمة ، واستلحم الكثير ممّن كان معه ؛ وهلك ولده ، ولجأ أخوه الأمير أبو حفص لقلعة سنان ، وفرّ هو لوجهه ؛ حتى لحق ببجاية ؛ وعاجله ابن أبي عمارة ؛ فبعث جريدة من الجند لنظر أشياخ من الموحّدين ، أغرت إليهم الإيقاع ، فوصلت إلى بجاية ، فظن من رآه من الفلّ المنهزم ، فلم يعترضه معترض عن القصبة. وقبض على الأمير أبي إسحاق ، فطوّقه الحمام ، واحتزّ رأسه ، وبعث إلى ابن أبي عمارة به ، وقد دخل تونس ، واستولى على ملكها ،