وأقام سنين ثلاثة ، أو نحوها في نعماء لا كفاء له ، واضطلع بالأمر ، وعاث في بيوت أمواله ، وأجرى العظائم على نسائه ورجاله إلى أن فشا أمره ، واستقال الوطن من تمرّته فيه ؛ وراجع أرباب الدولة بصائرهم في شأنه ، ونهد إليه الأمير أبو حفص طالبا بثأر أخيه ، فاستولى ، ودحض عاره ، واستأصل شأفته ، ومثل به ؛ والملك لله الذي لا تزن الدنيا جناح بعوضة عنده.
وفي هذا قلت عند ذكر أبي حفص في الرجز المسمّى ب «نظم (١) الملوك» ، المشتمل على دول الإسلام أجمع ، على اختلافها إلى عهدنا ، فمنه في ذكر بني حفص : [الرجز]
أوّلهم يحيى بن عبد الواحد |
|
وفضلهم ليس له من جاحد |
وهو الذي استبدّ بالأمور |
|
وحازها ببيعة الجمهور |
وعظمت في صقعه آثاره |
|
ونال ملكا عاليا مقداره |
ثم تولّى ابنه المستنصر |
|
وهو الذي علياه لا تنحصر |
أصاب ملكا رئيسا أوطانه |
|
وافق عزّا ساميا سلطانه |
ودولة أموالها مجموعه |
|
وطاعة أقوالها مسموعه |
فلم تخف من عقدها انتكاثا |
|
وعاث في أموالها عياثا |
هبّت بنصر عزّه الرياح |
|
وسقيت بسعده الرّماح |
حتى إذا أدركه شرك الرّدى |
|
وانتحب النّادي عليه والنّدى |
قام ابنه الواثق بالتّدبير |
|
ثم مضى في زمن يسير |
سطا عليه العمّ إبراهيم |
|
والملك في أربابه عقيم |
وعن قريب سلب الإماره |
|
عنه الدعيّ ابن أبي عماره |
عجيبة من لعب الليالي |
|
ما خطرت لعاقل ببال |
واخترم السيف أبا إسحاقا |
|
أبا هلال لقي المحاقا |
واضطربت على الدّعي الأحوال |
|
والحق لا يغلبه المحال |
ثم أبو حفص سما عن قرب |
|
وصيّر الدّعي رهين التّرب |
ورجع الحق إلى أهليه |
|
وبعده محمد يليه |
__________________
(١) المراد كتاب «رقم الحلل في نظم الدول» وهو لابن الخطيب ، وقد تقدم ذكره في غير مكان.