الحاجّ ، أعرض ذلك عليه ، فكان من نصّ مراجعته : فسبحان الذي أرشدك لبيت السّتر والعافية والأصالة ، وشحوب الأبرار ، قاتلك الله ما أجلّ اختيارك. وخلف هذا البيت الآن على سنن سلفهم من التحلّي بالوزارة ، والاقتياد من العظمة الزاكية ، والاستناد القديم الكريم ، واغتنام العمر بالنّسك ، عناية من الله ، اطّرد لهم قانونها ، واتصلت عادتها ، والله ذو الفضل العظيم.
حاله : كان من أهل السرّ والخصوصيّة ، والصّمت والوقار ، ذا حظّ وافر من المعرفة بلسان العرب ، ذكيّ الذّهن ، متوقّد الخاطر ، مليح النادرة ، شنشنته معروفة فيهم. سار بسيرة أبيه ، وأهل بيته ، في الطهارة والعدالة ، والعفاف والنّزاهة.
وفاته (١) : ....
إبراهيم بن فرج بن عبد البر الخولاني
من أهل قرطبة ، يكنى أبا إسحاق ، ويعرف بابن حرّة.
أوّليّته : من أهل البيوتات بالحضرة ، ولي أبوه القهرمة لثاني (٢) الملوك من بني نصر ، فتأثّل مالا ونباهة.
حاله : هذا الرجل من أعيان القطر ، ووزراء الصّقع ، وشيوخ الحضرة ، أغنى هذه المدرة يدا ، وأشغلهم بالعرض الأدنى نفسا ، تحرّف بالتّجر المربوب في حجر الجاه ، ونما ماله ، تحاط به الجدات ، وتنمو الأموال ، ففار تنّورها ، وفهق حوضها ، كثير الخوض في التصاريف الوقتية ، والأدوات الزمانية ، وأثمان السلع ، وعوارض الأسعار ، متبجّح بما ظهرت به يده من علق مضنّة هرى المدينة ، الذي ينفق على أسواقها ، عند ارتفاع القيم ، وتمييز الأسعار ، وبلوغها الحدّ الذي يراه كفؤ حبّته ، ومنتهى ثمن غلّته. غرق الفكر ، يخاطب الحيطان والشّجر والأساطين ، محاسبا إياها على معاملات وأغراض فنيّة ، يري من التلبّس شيئا من المعارف والآداب والصنائع ، وحجة من الحجج في الرّزق. تغلب عليه السّذاجة والصحّة ، دمث ، متخلّق ، متنزّل ، مختصر الملبس والمطعم ، كثير التبذّل ، يعظم الانتفاع به في باب التوسعة بالتسلّف
__________________
(١) كذا في الأصل.
(٢) ثاني سلاطين بني نصر هو محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، وقد حكم غرناطة من سنة ٦٧١ ه إلى سنة ٧٠١ ه. ترجمته في اللمحة البدرية (ص ٥٠) وسترد ترجمته في هذا الجزء من الإحاطة.