والمداينة ، حسن الخلق ، كثير التجمّل مبتلى بالموقب والطّانز (١) ، يسمع ذي القحة ، ويصمّ على ذوي المسألة.
ظهوره وحظوته : لبس الحظوة شملة ، لم يفارق طوقها رقبته ، إذ كان صهرا للمتغلب على الدولة أبي عبد الله بن المحروق (٢) ، صار بسهم في جذور خطته ، وألقى في مرقة حظوته ، مشتملا على حاله ، بعباءة جاهه. ثم صاهر المصيّر الأمر إليه بعده القائد الحاجب أبا النعيم رضوان ، مولى الدولة النصرية ، وهلمّ جرّا ، بعد أن استعمل في السّفارة إلى العدوة وقشتالة ، في أغراض تليق بمبعثه ، مما يوجب فيه المياسير والوجوه ، مشرّفين معزّزين بمن يقوم بوظيفة المخاطبة والجواب ، والردّ والقبول. وولّي وزارة السلطان ، لأول ملكه في طريق من ظاهر جبل الفتح إلى حضرته ، وأياما يسيرة من أيام اختلاله ، إلى أن رغب الخاصّة من الأندلسيين في إزالته ، وصرف الأمر إلى الحاجب المذكور الذي تسقّط مع رئاسته المنافسة ، وترضّى به الجملة.
محنته : وامتحن هو وأخوه ، بالتّغريب إلى تونس ، عن وطنهما ، على عهد السلطان الثالث من بني نصر (٣). ثم آب عن عهد غير بعيد ، ثم أسن واستسرّ أديمه ، وضجر عن الركوب إلى فلاحته التي هي قرّة عينه ، وحظّ سعادته ، يتطارح في سكّة المتردّدين بإزاء بابه ، مباشر الثّرى بثوبه ، قد سدكت (٤) به شكاية شائنة ، قلّما يفلت منها الشيوخ ، ولا من شركها ، فهي تزفه بولاء ، بحال تقتحمها العين شعثا ، وبعدا عن النظر ، فلم يطلق الله يده من جدته على يده ، فليس في سبيل دواء ولا غذاء إلى أن هلك.
وفاته : في وسط شوّال عام سبعة وخمسين وسبعمائة.
مولده : في سنة خمس وسبعين وستمائة.
__________________
(١) الموقب : اسم فاعل أوقب ، وهو القادح الذي يذمّ الآخرين. والطانز : الذي يسخر من الآخرين. لسان العرب (وقب) و (طنز).
(٢) هو محمد بن أحمد بن محمد بن المحروق ؛ تولى الوزارة لسلطان غرناطة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل النصري عام ٧٢٥ ه ، ثم قتل بأمر السلطان المذكور عام ٧٢٩ ه. اللمحة البدرية (ص ٩٤).
(٣) هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، الملقّب بالمخلوع ، وقد حكم غرناطة من سنة ٧٠١ ه حتى سنة ٧٠٨ ه. اللمحة البدرية (ص ٦٠).
(٤) سدكت به : لزمته ولم تفارقه. لسان العرب (سدك).