«جوّاب الآفاق ، ومحالف الإباق (١) ، ومنفق سعد (٢) الشّعر كل الإنفاق ؛ رفع ببلده (٣) للأدب راية لا تحجم ، وأصبح فيها يسوّي ويلجم ؛ فإن نسب ، جرى ونظم نظم الجمان المحامد ، وإن أبّن ورثى غبّر في وجوه السوابق وحثا. ولمّا اتّفق كساد سوقه ، وضياق حقوقه ، أخذ بالحزم ، وأدخل على حروف علائه عوامل الجزم ، يسقط على الدول سقوط الغيث ، ويحلّ كناس الظّبا وغاب اللّيث ، شيّع العجائب ، وركّض النّجائب ، فاستضاف بصرام ، وشاهد البرابي والأهرام ، ورمى بعزمته الشآم ، فاحتلّ ثغوره المحوطة ، ودخل دمشق ، وتوجّه الغوطة ، ثم عاجلها بالعراق ، فحيّا بالسّلام مدينة السّلام ، وأورد بالرّافدين رواحله ، ورأى اليمن وسواحله ، ثم عدل إلى الحقيقة عن المجاز ، وتوجّه إلى شأنه الحجاز ، فاستلم الرّكن والحجر ، وزار القبر الكريم لمّا صدر ، وتعرّف بمجتمع الوفود بملك السّود ، فغمره بإرفاده ، وصحبه إلى بلاده ، فاستقرّ بأوّل أقاليم العرض ، وأقصى ما يعمر من الأرض ، فحلّ بها محلّ الحمر في الغار ، والنور في سواد الأبصار ؛ وتقيّد بالإحسان ، وإن كان غريب الوجه واليد واللسان. وصدرت عنه رسائل أثناء إغرابه ، تشهد بجلالة آدابه ، وتعلّق الإحسان بأهدابه».
نثره : فمن ذلك ما خاطب به أهل غرناطة بلده ؛ وقد وصل إلى مرّاكش :
«سلام ليس دارين شعاره ، وحلق الروض والنضير به صداره ، وأنسى نجدا شمّه الزكي وعراره ، جرّ ذيله على الشجر فتعطّر ، وناجى غصن البان فاهتزّ لحديثه وتأطّر ، وارتشف الندى من ثغور الشّقائق ، وحيّا خدود الورد تحت أردية الحدائق ، طربت له النّجدية المستهامة ، فهجرت صباها ببطن تهامة ، وحنّ ابن دهمان لصباه ، وسلا به التّميمي عن ريّاه ، وأنسى النّميري ما تضوّع برقيب من بطن نعماه ، واستشرف السمر والبان ، وتخلق بخلوقة الآس والظّيّان (٤) ، حتى إذا راقت أنفاس تحيّاته ورقّت ، وملكت نفائس النفوس واستشرقت ، ولبست دارين في ملائها ، ونظمت الجوزاء في عقد ثنائها ، واشتغل بها الأعشى عن روضه ولها ، وشهد ابن برد شهادة أطراف المساويك لها ، خيّمت في ربع الجود بغرناطة ورقّت ، وملأت دلوها إلى عقد ركبه ، وأقبلت منابت شرقها عن غربه ، لا عن عرفه ؛ هناك تترى لها صدور المجالس تحمل صدورا ، وترائب المعالي تحلّي عقودا نفيسة وجذورا ، ومحاسن الشرف تحاسن
__________________
(١) في الكتيبة الكامنة : «الرفاق».
(٢) في الكتيبة الكامنة : «سعر».
(٣) كلمة «ببلده» ساقطة من الكتيبة الكامنة.
(٤) الظّيّان : ياسمين البرّ. محيط المحيط (ظوي).