مجاهداته ، وأدومهم على عمل وذكر وصلاة وصوم ، لا يفتر عن ذلك ولا ينام ، آية الله في الإيثار ، لا يدّخر شيئا لغد ، ولا يتحرّف بشيء ، وكان فقيها حافظا ، ذاكرا للغة والأدب ، نحويّا ماهرا ، درس ذلك كلّه أول أمره ، كريم الأخلاق ، غلب عليه التصوّف فشهر به ، وبمعرفة طريقه الذي ندّ فيها أهل زمانه ، وصنّف فيها التصانيف المفيدة.
ترتيب زمانه : كان يجلس إثر صلاة الصبح لمن يقصده من الصالحين ، فيتكلم لهم بما يجريه الله على لسانه ، وييسّر من تفسير ، وحديث وعظة ، إلى طلوع الشمس ؛ فيتنفّل صلاة الضّحى ، وينفصل إلى منزله ، ويأخذ في أوراده ، من قراءة القرآن والذّكر والصلاة إلى صلاة الظهر ، فيبكّر فى رواحه ، ويوالي التنفّل إلى إقامة الصلاة ، ثم كذلك في كل صلاة ، ويصل ما بين العشاءين بالتنفّل ، هذا دأبه أبدا.
وكان أمره في التوكّل عجبا ، لا يلوي على سبب ، وكانت تجبى إليه ثمرات كلّ شيء ، فيدفع ذلك بجملته ، وربما كان الطعام بين يديه ، وهو محتاج ، فيعرض من يسأله ، فيدفعه جملة ، ويبقى طاويا ، فكان الضعفاء والمساكين له لياذا ينسلون من كل حدب ، فلا يردّ أحدا منهم خائبا ، ونفع الله بخدمته وصحبته ، واستخرج بين يديه عالما كثيرا.
مشيخته : أخذ القراءة عن أبي عبد الله الحضرمي ، وأبي الكوم جودي بن عبد الرحمن ، والحديث عن أبي الحسن بن عمر الوادي آشي ، وأبي محمد عبد الله بن سليمان بن حوط الله ، والنحو واللغة عن ابن يربوع وغيره. ورحل وحجّ ، وجاور وتكرّر. ولقي هناك غير واحد ، من صدور العلماء وأكابر الصوفية ، فأخذ صحيح البخاري سماعا منه سنة خمس وستمائة عن الشّريف أبي محمد بن يونس ، وأبي الحسن علي بن عبد الله بن المغرباني ، ونصر بن أبي الفرج الحضرمي ، وسنن أبي داود وجامع التّرمذي على أبي الحسن بن أبي المكارم نصر بن أبي المكارم البغدادي ، أحد السامعين على أبي الفتح الكروخي ، وأبي عبد الله محمد بن مستري الحمة ، وأبي المعالي بن وهب بن البنا ، وببجاية عن أبي الحسن علي بن عمر بن عطيّة.
من روى عنه : روى عنه خلق لا يحصون كثرة ؛ منهم أحمد بن عبد المجيد بن هذيل الغسّاني ، وأبو جعفر بن الزبير ، وغيره.
تواليفه : صنّف في طريقة التصوّف وغيرها تصانيف مفيدة ؛ منها «مواهب العقول وحقائق المعقول» ، و «الغيرة المذهلة ، عن الحيرة والتّفرقة والجمع» ، و «الرحلة العنوية» ، ومنها «الرسائل في الفقه والمسائل» ، وغير ذلك.