حاله : من «عائد الصلة» : كان نسيج وحده حياء ، وصدقة ، وتخلّقا ، ومشاركة ، وإيثارا. رحل عند استيلاء العدو على جزيرة طريف ، عام أحد وسبعين وستمائة ، متحوّلا إلى مدينة سبتة ، فقرأ بها واستفاد. وورد الأندلس ، فاستوطن مدينة غرناطة ، وكتب في الجملة عن سلطانها ، وترقى معارج الرّتب ، حالّا محالا ، من غير اختلاف على فضله ، ولا نزاع في استحقاقه ، وأقرأ فنونا من العلم ، بعد مهلك أستاذ الجماعة أبي جعفر بن الزبير ، بإشارة منه به ؛ وولّي الخطابة والإمامة بجامعها منتصف صفر عام ستة عشر وسبعمائة ، وجمع بين القراءة والتدريس ، فكان مقرئا للقرآن ، مبرّزا في تجويده ، مدرّسا للعربية والفقه ، آخذا في الأدب ، متكلّما في التفسير ، ظريف الخط ، ثبتا محققا لما ينقله. وألقى الله عليه من المحبة والقبول ، وتعظيم الخلق له ، ما لا عهد بمثله لأحد ؛ بلغ من ذلك مبلغا عظيما ، حتى كان أحبّ إلى الجمهور من أوصل أهلهم وآبائهم ، يتزاحمون عليه في طريقه ، يتمسّحون به ، ويسعون بين يديه ، ومن خلفه ، ويتزاحم مساكينهم على بابه ، قد عوّدهم طلاقة وجهه ، ومواساته لهم بقوته ، يفرّقه عليهم متى وجدوه ، وربما أعجلوه قبل استواء خبزه ، فيفرّقه عليهم عجينا ، له في ذلك أخبار غريبة. وكان صادعا بالحق ، غيورا على الدين ، مخالفا لأهل البدع ، ملازما للسّنّة ، كثير الخشوع والتخلّق على علوّ الهمّة ، مبذول المشاركة للناس والجدّ في حاجاتهم ، مبتليا (١) بوسواس في وضوئه ، يتحمل الناس من أجله مضضا في تأخير الصلوات ومضايقة أوقاتها.
مشيخته : قرأ ببلده على الخطيب القاضي المقرئ أبي الحسن عبيد الله بن عبد العزيز القرشي ، المعروف بابن القارئ ، من أهل إشبيلية ، وقرأ بسبتة على الأستاذ إمام المقرئين لكتاب الله ، أبي القاسم محمد بن عبد الرحمن بن الطيّب بن زرقون القيسي الضرير ، نزيل سبتة ، والأستاذ أبي إسحاق الغافقي المريوني ، وقرأ على الشيخ الوزير أبي الحكم بن منظور القيسي الإشبيلي ، وعلى الشيخ الراوية الحاج أبي عبد الله محمد بن الكتامي التلمساني بن الخضّار ، وقرأ بغرناطة على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير ، وأخذ عن أبي الحسن بن مستقور.
شعره : كان يقرض شعرا وسطا ، قريبا من الانحطاط. قال شيخنا أبو بكر بن الحكيم (٢) في كتابه المسمّى ب «الفوائد المنتخبة ، والموارد المستعذبة» : كتب إليه
__________________
(١) في الأصل : «مبتلي» ، وقد صوّبناه لأن قواعد اللغة تقتضي النصب ، كونه خبر كان.
(٢) هو محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن الحكيم اللخمي ، وسيترجم له ابن الخطيب بإفاضة في الجزء الثاني من كتاب الإحاطة.