ستر خبر نفسه ، والحرب بينهم ، فانقاد إليه الجميع بحكم عهد مدينه حنظلة بن صفوان والي إفريقية (١) ، وقبض على وجوه الشاميّين عازما عليهم في الانصراف حسبما هو مشهور ؛ ورأى تفريق القبائل في كور الأندلس ، ليكون أبعد للفتنة ، ففرّقهم ، وأقطعهم ثلث أموال أهل الذّمّة ، الباقين من الرّوم ، فخرج القبائل الشاميون عن قرطبة.
قال أبو مروان : أشار على أبي الخطار ، أرطباس قومس الأندلس ، وزعيم عجم الذمّة (٢) ، ومستخرج خراجهم لأمراء المسلمين ـ وكان هذا القومس شهير العلم والدهاء ـ لأول الأمر ، بتفريق القبائل الشاميين العلمين عن البلد ، عن دار الإمارة قرطبة ، إذ كانت لا تحملهم ، وإنزالهم بالكور ، على شبه منازلهم التي كانت في كور شامهم ، ففعل ذلك على اختيار منهم ؛ فأنزل جند دمشق كورة إلبيرة ، وجند الأردن كورة جيّان ، وجند مصر كورة باجة ، وبعضهم بكورة تدمير ؛ فهذه منازل العرب الشاميين ؛ وجعل لهم ثلث أموال أهل الذّمّة من العجم طعمة ؛ وبقي العرب والبلديّون والبرابر (٣) شركاؤهم ؛ فلمّا رأوا بلدانا شبه بلدانهم بالشام ، نزلوا وسكنوا واغتبطوا وكبروا وتموّلوا ، إلّا من كان قد نزل منهم لأول قدومه في الفتوح على عنائهم موضعا رضيّا ، فإنه لم يرتحل عنه ، وسكن به مع البلديّين. فإذا كان العطاء أو حضر الغزو ولحق بجنده ، فهم الذين كانوا سمّوا الشّادّة حينئذ.
قال أحمد بن موسى : وكان الخليفة يعقد لواءين ، لواء غازيا ، ولواء مقيما ؛ وكان رزق الغازي بلوائه مائتي دينار. ويبقى المقيم بلا رزق ثلاثة أشهر ؛ ثم يدال بنظيره من أهله أو غيرهم. وكان الغزاة من الشّاميين مثل إخوة المعهود له أو بنيه أو بني عمّه ، يرزقون عند انقضاء غزاته عشرة دنانير ؛ وكان يعقد المعقود له مع القائد ؛ يتكشّف عمّن غزا ، ويستحقّ العطاء ، فيعطى على قوله تكرمة له ؛ وكانت خدمتهم في العسكر ، واعتراضهم إليه ؛ وكان من الشّاميين غازيا من غير بيوتات العقد ، ارتزق خمسة دنانير عند انقضاء الغزو. ولم يكن يعطى أحد من البلديين شيئا غير المعقود له ؛ وكان البلديّون أيضا يعقد لهم لواءان ؛ لواء غاز ، ولواء مقيم ؛ وكان يرتزق الغازي
__________________
(١) كانت الأندلس في عصر الولاة (٩٢ ـ ١٣٨ ه) تخضع إداريّا لإفريقية ، ولوالي إفريقية صلاحية من قبل الخليفة الأموي بدمشق في تعيين وال على الأندلس.
(٢) عجم الذمّة : هم النصارى المعاهدون ، Los Mozarabes ، وسيتحدث عنهم ابن الخطيب بعد قليل.
(٣) البرابر : أي البربر.