عدو الله (١) ، وسدّ ثلم ثغوره (٢) ، فكان غرّة في قومه ، ودرّة في بيته ، وحسنة من حسنات دهره. وسيرد نبذ من أحواله ، مما يدلّ على فضل جلاله».
صفته : كان معتدل القدّ ، وسيم الصورة ، عبل اليدين ، أبيض اللون ، كثير اللحية ، بين السواد والصهوبة (٣) أنجل أعين أفوه مليح العين ، أقنى الأنف ، جهير الصوت ؛ أمه الحرّة الجليلة ، العريقة في الملوك ، فاطمة بنت أمير المؤمنين أبي عبد الله نخبة الملك ، وواسطة العقد ، وفخر الحرم ، البعيدة الشّأو في العزّ والحرمة ، وصلة الرّعي ، وذكر التراث. واتصلت حياتها ، ملتمسة الرأي ، برنامجا للفوائد ، تاريخا للأنساب ، إلى أن توفيت في عهد حفيدها السلطان أبي الحجّاح ، رحمها الله ، وقد أنفت على تسعين من السنين ، فكان الحفل في جنازتها ، موازيا لمنصبها ، ومتروكها ، المفضي إليه خطيره ، وقلت في رثائها : [الطويل]
نبيت على علم بغائلة الدهر |
|
ونعلم أنّ الخلق في قبضة الدّهر |
ونركن للدنيا اغترارا بقهرها |
|
وحسبك من يرجو الوفاء من الغدر |
ونمطل بالعزم الزّمان سفاهة |
|
فيوم إلى يوم ، وشهر إلى شهر |
وتغري بها نفسي المطامع والهوى |
|
ونرفض ما يبقى ضيعة العمر |
هو الدهر لا يبقى على حدثانه |
|
جديد ولا ينفكّ من حادث نكر |
وبين الخطوب الطارقات تفاضل |
|
كفضل من اغتالته في رفعة القدر |
ألم تر أنّ المجد أقوت ربوعه |
|
وصوّح من أدواحه كل مخضرّ |
ولاحت على وجه العلاء كآبة |
|
فقطّب من بعد الطلاقة والبشر |
وثبتّ اسمها في الوفيات من الكتاب المذكور بما نصّه :
«السلطانة الحرّة ، الطاهرة ، فاطمة بنت أمير المسلمين أبي عبد الله ابن أمير المسلمين الغالب بالله ، بقيّة نساء الملوك ، الحافظة لنظام الإمارة ، رعيا للمتات (٤) ، وصلة للحرمة ، وإسداء للمعروف ، وسترا للبيوتات ، واقتداء بسلفها الصالح ، في نزاهة النفس ، وعلوّ الهمّة ، ومتانة الدين ، وكشف الحجاب ، ونفاذ العزم ، واستشعار الصبر. توفّيت في كفالة حفيدها أمير المسلمين أبي الحجاج ، مواصلا برّها ، ملتمسا دعاءها ،
__________________
(١) في اللمحة : «عدوه الله وعدوه».
(٢) في اللمحة : «ثغره».
(٣) الصهوبة : هي احمرار الشعر.
(٤) المتات : ما يمتّ به كالحرمة والقرابة. محيط المحيط (متت).