حاله : كان صبيّا كما اجتمع وجهه ، بادنا (١) دمث الخلق ، ليّن الجانب ، شديد البياض ، كثيف الحاشية ، متصلا بالجفوة ، لطول الحجبة ، وبعد التمرّن والحنكة ، غرّا ، فاقدا لحسن الأدب ، عريقة ألفاظه في العجمة. تصيّر الأمر إلى أخيه السلطان خيرتهم ولباب بيتهم ، يوم قتل أبوهما ؛ وله مزية السّنّ والرّجاحة والسكنى بمحل وفاة الأب ؛ فأبقى عليه ، وأسكنه بعض القصور لصقه ، ولم يضايق أمّه فيما استأثرت به من بيت المال ، إذ كان إقليده في يدها ، وبيضاؤه وصفراؤه في حكمها ، ورفّه متبوّأه ، واستدعى له ولأخيه المعلم الذي كان السبب في إفاتة إرماقهما ، وإعدام حياتهما ، الشيخ السّفلة محمد البطروجي البائس ، فردّ ذلك السّرب ، فاستمرّت أيام احتجابه وانتظاره على قصره ، إلى رمضان من عام ستّين وسبعمائة. وحرّك سماسرة الفتنة له ولأمّه جواز الطمع في الملك ، ودندنوا لها حتى رقصت على إيقاعهم ، وخفّت إلى مواعدهم ، وشمّروا إلى خلاص الأمر ؛ وأحام الوثبة صهره الرئيس أبو عبد الله ، حلف الشؤم زوج أخته ، محمد بن إسماعيل ، الشهير الكائنة ، المذكور في موضعه من حرف الميم ، فسيّرت إليه أمّه المال ، فبثّه في الدعرة والشرار ، حتى تمّ غرضه ، واقتحم القلعة من بعض أسوارها عند البالية ، وقد هدم منها شيء في سبيل إصلاحه ، ليلة الأربعاء الثامن والعشرين لرمضان من عام ستين وسبعمائة ؛ والسلطان ليلتئذ غير حالّ بها ، فملؤوها لجبا ولغطا وصراخا وهولا وتنويرا ، في جملة تناهز المائة ؛ وانضاف إليهم أخوان رأيهم من حرّاسها وسكانها ؛ فألبس الناس ، وسقط في أيديهم. وأهدى الليل فتكتة هائلة ، وأدّاها شنيعة ، فاقتصر كل على النظر لنفسه ، وانقسموا فرقتين ؛ قصدت إحداهما دار كبير الدولة ، وقيّوم التّفويض ، وشيخ رجال الملك رضوان ، المستبدّ بإحالة كورتها ، الشيخ الذّهول ، معزوز القدر ، ورائب النّكتة ، ومعود الإقالة ، وجرّار رسن الأطواد ، وطول الإملا ، الماشي على خدّ الدنيا ، المغضوض البصر عن النّظر ، المستهين بكل سبّة وحيّة تسعى ، المعوّل على نظره ، وقوة سعده وإجابة دعوته ، مع كونه نسيج وحده في عفافه وديانته ، ورضى الناس به ، وسقوط منافستهم من أجله ، ومأويهم على مولّ لفظه ، وبساط معاملته ، وصحة عقده. فعالجوا بابه طويلا وتولّجوا داره ، وقتلوه بين أهله وولده.
وقصدت الأخرى دار الأمير المترجم به ومعها صهره ، فأخرجوه ، وأركبوه على فرس ، راعد الفرائض ، ممتقع اللون ، مختلط القول ، تحفّ به داياته بين مولولة ،
__________________
(١) في اللمحة البدرية (ص ١٢٦): «بدينا».