قلت : ومكانها اليوم مشهور ، وجدارها ماثل ينبئ عن إحكام وأصالة ، وعلى بعضها مقبرة شهيرة لابن سهل بن مالك ، رحمه الله.
ولمّا تحرّكت لعدو الله الطّاغية ابن رذمير ريح الظّهور ، على عهد الدولة المرابطيّة ، قبل أن يخضد الله شوكته على إفراغة (١) بما هو مشهور ، أملت المعاهدة (٢) من النصارى لهذه الكورة إدراك الثّرّة ، وأطمعت في المملكة ، فخاطبوا (٣) ابن رذمير من هذه الأقطار ، وتوالت عليه كتبهم وتواترت رسلهم ، ملحّة بالاستدعاء مطمعة في دخول غرناطة (٤) ، فلمّا أبطأ عنهم ، وجّهوا إليه زماما يشتمل على اثني عشر ألفا من أنجاد مقاتليهم ، لم يعدّوا فيها شيخا ولا غرّا ، وأخبروه أنّ من سمّوه ، ممّن شهرت (٥) أعينهم لقرب مواضعهم ، وبالبعد من يخفى أمره ، ويظهر عند ورود شخصه ، فاستأثروا طمعه وابتعثوا جشعه ، واستفزّوه بأوصاف غرناطة ، وما لها من الفضائل (٦) على سائر البلاد وبفحصها الأفيح ، وكثرة فوائدها من القمح والشّعير ، والكتّان ، وكثرة المرافق ، من الحرير والكروم ، والزيتون ، وأنواع الفواكه ، وكثرة العيون والأنهار ، ومنعة قبّتها (٧) وانطباع رعيّتها ، وتأتي أهل حاضرتها ، وجمال إشرافها وإطلالها ، وأنّها المباركة التي يمتلك منها غيرها ، المسمّاة سنام الأندلس عند الملوك في تواريخها ، فرموا حتى أصابوا غربه ، فانتخب وأحشد ، وتحرّك أول شعبان من عام خمسة عشر وخمسمائة (٨) وقد أخفى مذهبه ، وكتم أربه ، فوافى (٩) بلنسية ، ثم إلى مرسية ، ثم إلى بيرة ، ثم اجتاز بالمنصورة ثم انحدر إلى برشانة ، ثم تلوّم إلى وادي ناطلة. ثم تحرّك إلى بسطة ، ثم إلى وادي آش ، فنزل بالقرية المعروفة بالقصر (١٠) وصافح المدينة بالحرب ، ولم يحل بطائل ، فأقام عليها شهرا.
__________________
(١) إفراغة ، بالإسبانيةFraga : وهي مدينة بغربي لاردة من الأندلس ، لها حصن منيع وبساتين كثيرة. الروض المعطار (ص ٤٨).
(٢) المعاهدة : هم النصارى المعاهدون.
(٣) قارن بما جاء في البيان المغرب (ج ٤ ص ٦٩ ـ ٧٣) وفيه يقول ابن عذاري إن أهل نظر أغرناطة خاطبوا في سنة ٥١٩ ه ابن ردمير ملحّة عليه بدخول غرناطة. وفي النص بعض اختلاف عمّا هنا.
(٤) في البيان المغرب : «أغرناطة».
(٥) في البيان المغرب : «شهدت».
(٦) في المصدر نفسه : «الفضل».
(٧) في البيان المغرب : «قصبتها».
(٨) في البيان المغرب : أول شعبان سنة ٥١٩ ه.
(٩) في البيان المغرب : «إلى أن وصل بلنسية».
(١٠) القصر ، بالإسبانية : Alcazar ، وهي واقعة إلى الجنوب الشرقي من غرناطة.