ملك المغرب ، فأقام به رسما عظيما ، وأمرا جسيما ، وأورثه بنيه من بعده ، والله يؤتي ملكه من يشاء.
حاله : كان ، رحمه الله ، شهما شجاعا ، جريئا ، بعيد الهمّة ، نافذ العزيمة ، قويّ الشكيمة ، لبيبا ، كاتبا أديبا ، فصيحا ، بليغا ، أبيّا ، جوادا ، حازما. وذكره ابن عسكر المالقي في تاريخ بلده ؛ قال : دخل مالقة من قبل أخيه ، فوصل إليها في الحادي عشر من محرم ، وهو شاب حدث ، فكان منه من نباهة القدر وجلالة النفس ، وأبّهة الملك ما يعجز عنه كثير من الملوك. ولحين وصوله عقد مجلس مذاكرة ، استظهر له نبهاء الطلبة ، وكان الشيخ علي بن عبد المجيد يحضره. وكان يبدو منه ، مع حداثة سنّه ، من الذكاء والنّبل والتفطّن ، ما كان يبهت الحاضرين ، وكانوا ينظرون منه إلى بدريّ الحسن ، وأسديّ الهيبة ، وكهليّ الوقار والتؤدة ؛ واشتغل بما يشتغل به الملوك من تفخيم البناء ، كبنيان رياض السيّد الذي على ضفة الوادي (١) بمالقة المعروف باسمه ، لله ورسوله ، وكان عرفاء البنّائين لا يتصرفون إلّا بنظره ؛ واستمرّت ولايته مفخّم الأمر ، عظيم الولاية ، إلى أن نقل منها إلى قرطبة ، ثم نقل إلى إشبيلية وفيها بويع الخلافة (٢).
تصيّر الأمر إليه ، وجوازه إلى العدوة :
قام على أخيه العادل بين يدي مقلعة ، ببمالأة أخيه السيد أبي زيد ، أمير بلنسية وتحريكه إياه ، فتمّ له ذلك ؛ وعقدت له البيعة بمرّاكش والأندلس. ثم إن الموحدين في مراكش بدا لهم في أمره ، وعدلوا عنه إلى ابن عمّه أبي زكريا بن الناصر ؛ واتصل به خبر خلعهم إياه فهاجت نفسه ، ووقدت جمرته ، واستعدّ لأخذ ثأره ، ورحل من إشبيلية ، واستصحب جمعا من فرسان الروم ، واستجاز البحر سنة ست وعشرين وستمائة ، قاصدا مراكش ؛ وبرز ابن عمّه إلى مدافعته ، والتقى الجمعان فكانت الهزيمة على يحيى بن الناصر ، وفرّ إلى الجبال ، واستولى القتل على جيشه ، ودخل المأمون مراكش فأمر بتقليد شرفاتها بالرؤوس فعمّتها على اتّساع السّاحة ؛ واستحضر النّاكثين لبيعته وبيعة أخيه ، وهم كبار الدولة ، واستفتى قاضيه (٣) بمرأى منهم ، واستحضر
__________________
(١) قال في الحلل الموشية (ص ١٢٤) إن المأمون بنى قصر السيد بمالقة حين كان واليا عليها سنة ٦٢٣ ه. والمراد بالوادي : وادي المدينةGuadalmedina ، وهو نهر يخترق الحاضرة مالقة.
(٢) في البيان المغرب ـ قسم الموحدين (ص ٢٧٤): «بويع بإشبيلية يوم الخميس ثاني شهر شوّال من سنة أربع وعشرين وستمائة».
(٣) في البيان المغرب ـ قسم الموحدين (ص ٢٨٥) ، والحلل الموشية (ص ١٢٤) : القاضي المكيدي.