قال صاحب كتاب «الأنوار الجليّة» (١) : فبدأ (٢) بحث المعاهدة بغرناطة في استدعائه ، فافتضح تدبيرهم باجتلابه ، وهمّ أميرها (٣) بتثقيفهم (٤) ، فأعياهم ذلك ، وجعلوا يتسلّلون إلى محلّته على كل طريق ، وقد أحدقت جيوش المسلمين من أهل العدوة (٥) والأندلس بغرناطة ، حتى صارت كالدّائرة ، وهي في وسطها كالنّقطة ، لمّا أنذروا بغرضه ؛ وتحرّك من وادي آش فنزل بقرية دجمة (٦) ؛ وصلّى الناس بغرناطة صلاة الخوف ، يوم عيد النّحر من هذه السنة في الأسلحة والأبّهة ؛ وبعيد الظهر من غده ، ظهرت أخبية الرّوم بالقيل شرق المدينة ، وتوالى الحرب على فرسخين منها ، وقد أجلى السّواد ، وتزاحم الناس بالمدينة ، وتوالى الجليد ، وأظلّت الأمطار. وأقام العدو بمحلّته بضع عشرة ليلة لم تسرح له سارحة ، إلّا أنّ المعاهدة تجلب (٧) له الأقوات ؛ ثم أقلع وقد ارتفع طعمه عن المدينة ، لأربع بقين من ذي الحجة عام عشرين (٨) ، بعد أن تفرّغ مستدعيه إليها ، وكبيره يعرف بابن القلّاس ، فاحتجّوا ببطئه وتلوّمه حتى تلاحقت الجيوش ، وأنهم قد وقعوا مع المسلمين في الهلكة ، فرحل عن قرية مرسانة إلى بيش ، ومن الغد إلى السكة من أحواز قلعة يحصب (٩) ثم اتصل إلى لدوبيانة ، ونكب إلى قبرة واللسّانة (١٠) ، والجيوش المسلمة في أذياله. وأقام بقبرة (١١) أياما ، ثم تحرّك إلى بلاي والعساكر في أذياله ، وشيجة في فحص الرّنيسول (١٢) مكافحة في أثنائها ، مناوشة ، وظهورا عليه.
__________________
(١) هو كتاب «الأنوار الجليّة في أخبار الدولة المرابطية» ، وصاحبه هو أبو بكر يحيى بن محمد بن يوسف الأنصاري الغرناطي ، المتوفّى سنة ٥٥٧ ه ، وسيترجم له ابن الخطيب في الجزء الرابع من الإحاطة.
(٢) في البيان المغرب : «فبدا نجيث المعاهدة في استدعائه».
(٣) في البيان المغرب : «وهمّ الأمير أبو الطاهر».
(٤) بتثقيفهم : باعتقالهم.
(٥) المراد العدوة المغربية.
(٦) دجمة ، بالإسبانية : Diezma ، وهي بلدة تقع غربي وادي آش ، بين وادي آش وغرناطة.
(٧) في البيان المغرب : «والمعاهدة تجتلب إليه الأقوات ...».
(٨) قارن بالكامل في التاريخ (ج ١٠ ص ٦٣١) سنة ٥٢٠ ه.
(٩) قلعة يحصب : بالإسبانيةAlcala la Real ، أي القلعة الملكية ، تنسب إلى قبيلة يحصب ، وتعرف أيضا بقلعة يعقوب ، أو القلعة السعدية ، أي قلعة بني سعيد ، وهي إحدى مدن غرناطة.
راجع مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ٦٢).
(١٠) اليسّانة أو اللّسّانة ، بالإسبانيةLucena : هي مدينة اليهود ، ولها ربض يسكنه المسلمون. وهي من مدن غرناطة. المرجع السابق (ص ٦٣).
(١١) قبرة : بالإسبانيةCabra ، وهي من مدن غرناطة. المرجع السابق (ص ٦٢).
(١٢) فحص الرنيسول أو أرنسول : بالإسبانيةArnizol ، ويقع جنوب مدينة غرناطة. وقد ذكره ابن الأثير عند حديثه عن هزيمة المسلمين الأندلسيين على يد ابن ردمير سنة ٥٢٠ ه ، باسم : ـ