من روى عنه : سمع منه عثمان بن عبد الرحمن ، وعبد الله بن يونس ، ومحمد بن قاسم ، وغير واحد ، وانصرف إلى الأندلس من رحلته ، فنال الوجاهة العظيمة.
ولايته : ولّاه قضاء الجماعة بغرناطة ، الناصر لدين الله ، أول ولايته ، وسط سنة ثلاثمائة ، إلى أن استعفى سنة تسع وثلاثمائة فأعفاه ، ثم أعاده. وكان في قضائه صارما لا هوادة عنده. قال المؤرّخ : كان الناصر يستخلفه في سطح القصر إذا خرج إلى مغازيه. وحكى ابن حارث أن ابن معاذ وابن صالح أتيا يوما ، فلمّا أخذا مجلسهما نظر إليهما وقال : ألقوا ما أنتم ملقون فأبهتهما. ودخل عليه محمد بن وليد يوما ، فكلّمه في شيء ، فقال أسلم : سمعنا وعصينا. فقال ابن وليد : ونحن قلنا واحتسبنا. وأتاه في بعض مجالسه شهود ، بعضهم من أهل المدينة بقرطبة ، وبعضهم من شلار من الرّبض الشرقي ، يشهدون في ترشيد امرأة من الرّبض الغربي ، فلما أخذوا مجالسهم ، فتح باب الخوخة التي في المجلس الذي يجلس بدهليزه ، ونادى من بخارجه فاجتمعوا ؛ اسمعوا ، عجبا لله درّ الشاعر حيث يقول : [الكامل]
راحت مشرّقة ورحت مغرّبا |
|
شتّان بين مشرّق ومغرّب |
هؤلاء من أهل المدينة وشلار ، يشهدون في ترشيد امرأة من ساكنات آخر بلاط مغيث ، ثم سكت فدهش القوم وتسلّلوا. وبلغه عن بعض الشهود المتّهمين أنه أرشي في شهادته ببساط ، فلما أتى ليؤدّيها ، ودخل على أسلم ، جعل يخلع نعليه عند المشي على بساط القاضي ، فناداه : أبا فلان ، البساط ، الله الله ؛ فتنبّه بأن أمره عند القاضي ، ولم يجسر على أداء شهادته تلك. وخاصم فقيه عند أسلم رجلا في خادم أغربها ، وجاء بشاهد أتى به من إشبيلية ، فقال : يا قاضي ، هذا شاهدي فاسمع منه ، فصعّد أسلم في الشاهد وصوّب ، وقال : أمحتسب (١) أو مكتسب أصلحك الله؟ فقال الشاهد : أحسن الظنّ أيها القاضي ، فليس هذا إليك ، هذا إلى الله المطّلع على ما في القلوب ، ولم تقعد هذا المقعد لتسأل عن هذا وشبهه ، وإنما عليك الظاهر ، وتكل الباطن إلى الله ، فإن شئت ، فاسمع الشهادة كما يلزمني أداؤها ، ثم اقبلها أو اضرب بها الحائط. وفي رواية أخرى ، وليس لك أن تكشف السّتر المنسدل بينك وبيني ، فإن هذا التفسير للشهود يوقف عن الشهادة عندك ، ويعرّض لإهانتك أهل لائقة ، وفي ذلك من ضياع الحقوق ما لا يخفى ، فأخجل أسلم كلامه ، وقال له : لك ما قلت ، فأدّ
__________________
(١) المحتسب هنا بمعنى المدّخر أجره عند الله تعالى.