فوق كل منزلة ؛ وكان لولده بلكّين (١) خاصّة من المسلمين يخدمونه ، وكان مبغضا في اليهودي (٢) ، فبلغه أنه تكلّم في (٣) ذلك لأبيه ، فبلغ منه كلّ مبلغ ؛ فدبّر (٤) الحيلة ، فذكروا أنه دخل عليه يوما فقبّل الأرض بين يديه ، فقال له الغلام : ولم ذلك؟ فقال : يرغب العبد (٥) أن تدخل داره مع من أحببت من عبيدك ورجالك ، فدخل إليه بعد ذلك ، فقدّم له ولرجاله طعاما وشرابا ، ثم جعل السّم في الكأس لابن باديس ، فرام القيء ، فلم يقدر عليه ، فحمل إلى قصره وقضى (٦) نحبه في يومه ؛ وبلغ الخبر إلى أبيه ولم يعلم السبب ، فقرّر اليهوديّ عنده أنّ أصحابه وبعض جواريه سمّوه ، فقتل باديس جواري (٧) ولده ، ومن فتيانه وبني عمّه جماعة كبيرة ، وخافه سائرهم ففرّوا عنه. وكانت وفاته سنة ست وخمسين وأربعمائة. وبعده قتل اليهودي في سنة تسع وخمسين.
باديس بن حبّوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي (٨)
كنيته أبو مناد ، ولقبه الحاجب المظفّر بالله ، الناصر لدين الله.
أوّليّته : قد تقدّم الإلماع بذلك عند ذكر ابنه بلكّين.
حاله : كان رئيسا يبسا ، طاغية ، جبّارا ، شجاعا ، داهية ، حازما ، جلدا ، شديد الأمر ، سديد الرأي ، بعيد الهمّة ، مأثور الإقدام ، شره السيف ، واري زناد الشرّ ، جمّاعة للمال ؛ ضخمت به الدولة ، ونبهت الألقاب ، وأمنت لحمايته الرعايا ، وطمّ
__________________
ـ ص ٤١) ، وطبقات الأمم (ص ١٣٦) ، ومذكرات الأمير عبد الله (ص ٣٦) ، وأعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٣٠) ، والبيان المغرب (ج ٣ ص ٢٦٤) ، وكتاب العبر (ج ٤ ص ٣٤٦) ، ونفح الطيب (ج ٦ ص ٩٣). وكان إسماعيل الوزير الأول في عهد حبوس بن ماكسن ابن زيري وولده باديس بن حبوس ، وبوفاة إسماعيل عام ٤٤٨ ه ارتقى ابنه يوسف بن إسماعيل ابن نغرالة إلى خطة الوزارة التي تبوّأها أبوه.
(١) في البيان المغرب : «بلقين».
(٢) في البيان المغرب : «في هذا اليهودي».
(٣) في البيان المغرب : «فيه عند أبيه فبلغ ذلك من اليهودي كلّ مبلغ».
(٤) في البيان : «ودبّر الحيلة عليه فدخل اللعين يوما على الفتى وقبّل ...».
(٥) في البيان : «عبدك منك أن ...».
(٦) في البيان : «فقضى نحبه في غد يومه».
(٧) في البيان : «من جواري».
(٨) حكم باديس بن حبوس غرناطة من عام ٤٢٩ ه إلى عام ٤٦٧ ه. وترجمته في المغرب (ج ٢ ص ١٠٧) ، والبيان المغرب (ج ٣ ص ٢٦٢ ، ٢٦٤) ، واللمحة البدرية (ص ٣١) ، وكتاب العبر (م ٤ ص ٣٤٥) واسمه فيه : باديس بن حسون ، وأعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٢٩). وقد قامت الدكتورة مريم قاسم طويل بدراسة وافية عنه في كتابها : مملكة غرناطة في عهد بني زيري (ص ١١٩ ـ ١٦٩) فلتنظر.