الجمعان ، واضطربت (١) المحلات ، ورتبت المراكب فأخذت مصافّها ، ولزمت الرجال مراكبها (٢) ، فكان القلب مع الأمير ووجوه المرابطين وأصحاب الطاعات ؛ وعليه البنود الباسقات ، مكتّبة (٣) بالآيات ، وفي المجتبين (٤) كبار الدولة من أبطال الأندلس ، عليهم حمر الرّايات بالصور الهائلة (٥) ، وفي الجناحين أهل الثغر والأوشاب من أهل الجلادة ، عليهم الرّايات المرقّعات بالعذبات المجزّعات. وفي المقدمة مشاهير زناته ولفيف الحشم بالرايات المصبغات المنبّقات (٦). والتقى الجمعان ، ونزل الصبر ، وحميت النفوس ، واشتدّ الضرب والضراب وكثرت الحملات ؛ فهزم الله الكافرين ، وأعطوا رقابهم مدبرين ، فوقع القتل ، واستلحم العدوّ السيف ، واستأصله الهلاك والأسار ؛ وكان فتحا جليلا لا كفاء له ، وصدر الأمير تاشفين ظافرا إلى (٧) بلده في جمادى من هذا العام. ولو ذهبنا لاستقصاء حركات الأمير تاشفين وظهوره لاستدعى ذلك طولا كثيرا.
بعض ما مدح به : فمن ذلك (٨) : [الكامل]
أمّا وبيض الهند عنك خصوم |
|
فالرّوم تبذل ما ظباك تروم |
تمضي سيوفك في العدا ويردّها |
|
عن نفسه حيث الكلام وخيم (٩) |
وهذه القصائد قد اشتملت على أغراضها الحماسية ، والملك سوق يجلب إليها ما ينفق عندها.
وفاته : قد تقدّم انصرافه عن الأندلس سنة إحدى وثلاثين وخمسماية ، وقيل : سنة اثنتين (١٠) ، واستقراره بمرّاكش مرءوسا لأخيه سير ، إلى أن أفضى إليه الأمر بعد أبيه. قال : واستقبل تاشفين مدافعة جيش أمير الموحدين ، أبي محمد عبد المؤمن بن
__________________
(١) في البيان المغرب : «اضطربت المحلتان ، وترتبت المواكب ...».
(٢) في البيان المغرب : «مراكزها فكان في القلب ...».
(٣) في الحلل الموشية : «مكتوبة».
(٤) في المصدرين : «وفي الجانبين كفاة الدولة وحماة الدعوة من أبطال ...».
(٥) في المصدرين : «الهائلات».
(٦) في البيان المغرب : «بالرايات المصنفة ...». والمنبقّات : المزركشات. لسان العرب (نبق).
(٧) في الحلل الموشية : «إلى قرطبة عزيزا ظافرا ، وكان ذلك سنة ثمان وعشرين وخمسمائة». وفي البيان المغرب : «إلى قرطبة ثم إلى أغرناطة ، وذلك في جمادى الأولى من سنة ثمان وعشرين ...».
(٨) البيتان في البيان المغرب (ج ٤ ص ٨٩).
(٩) في البيان المغرب : «رحيم».
(١٠) في الأصل : «اثنين».