علي خليفة مهديهم ، ومقاومة أمر قضى الله ظهوره ، والدفاع عن ملك بلغ مداه ، وتمّت أيامه. كتب الله عليه ، فالتأث سعده ، وفلّ جدّه ، ولم تقم له قائمة إلى أن هزم ، وتبدّد عسكره ، ولجأ إلى وهران ، فأحاط به الجيش ، وأخذه الحصار. قالوا : فكان من تدبيره أن يلحق ببعض السواحل ، وقد تقدّم به وصول ابن ميمون قائد أسطوله ، ليرفعه إلى الأندلس ؛ فخرج ليلا في نفر من خاصّته فرّقهم الليل ، وأضلّهم الرّوع ، وبدّدتهم الأوعار ، فمنهم من قتل ، ومنهم من لحق بالقطائع البحرية ؛ وتردّى بتاشفين فرسه من بعض الحافّات ، ووجد ميّتا في الغد ، وذلك ليلة سبع وعشرين لرمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ؛ وصلبه الموحّدون ، واستولوا على الأمر من بعده ، والبقاء لله تعالى.
ثابت بن محمد الجرجاني ثم الأسترآباذي (١)
يكنى أبا الفتوح.
حاله : قال ابن بسّام (٢) : كان الغالب على أدواته علم اللّسان ، وحفظ الغريب ، والشعر الجاهلي والإسلامي ، إلى المشاركة في أنواع التعاليم ، والتصرّف في حمل السلاح ، والحذق بأنواع (٣) الجندية ؛ والنّفاذ في أنواع (٤) الفروسيّة ، فكان الكامل في خلال جمّة. قال أبو مروان : ولم يدخل الأندلس أكمل من أبي الفتوح في علمه وأدبه. قال ابن زيدون : لقيته بغرناطة ، فأخذت عنه أخبار المشارقة ، وحكايات كثيرة ؛ وكان غزير الأدب ، قويّ الحفظ في اللغة ، نازغا إلى علم الأوائل من المنطق والنجوم والحكمة ، له بذلك قوة ظاهرة.
طروؤه على الأندلس : قال صاحب الذخيرة (٥) : طرأ على الحاجب (٦) منذ صدر الفتنة للذائع من كرمه ، فأكرمه (٧) ورفع شأنه ، وأصحبه ابنه (٨) المرشّح لمكانه (٩) ،
__________________
(١) ترجمة ثابت بن محمد الجرجاني في بغية الوعاة (ص ٢١٠) ، وجذوة المقتبس (ص ١٨٤ ، ٣٥٢) ، والذخيرة (ق ٤ ص ١٢٤) ، وبغية الملتمس (ص ٢٥٣) ، والصلة (ص ٢٠٦) ، ومعجم الأدباء (ج ٢ ص ٣٦٦) ، ومملكة غرناطة في عهد بني زيري (ص ٢٧٠).
(٢) الذخيرة (ق ٤ ص ١٢٤).
(٣) في الذخيرة : «بالآلات».
(٤) في الذخيرة : «معاني».
(٥) الذخيرة (ق ٤ ص ١٢٤ ـ ١٢٥).
(٦) في الذخيرة : «الجانب». ويستفاد من النص أنه طرأ على علي بن حمود الحسني ، الذي كان خليفة ولم يكن حاجبا. بويع له بقرطبة سنة ٤٠٧ ه وقتله الصقالبة في العام التالي في حمام قصره.
(٧) في الذخيرة : «فأكرم نزله ، ورفع من شأنه».
(٨) هو ابنه يحيى بن علي بن حمود.
(٩) في الذخيرة : «المرشح ـ كان ـ لسلطانه».