من عدا أهل الملك ، عن الوفاء بأثمانها ، منها ما يغلّ في السنة الواحدة نحو الألف من الذّهب ، قد غصّت الدكاكين بالخضر الناعمة ، والفواكه الطيّبة ، والثمر المدّخرة ، يختصّ منها بمستخلص السلطان (١) ، المرور طوقا على ترائب بلده ما بينهن منية ؛ منها الجنّة (٢) المعروفة بفدّان الميسة ، والجنة المعروفة بفدّان عصام ، والجنة المعروفة بالمعروي ، والجنة إلى المنسوبة إلى قدّاح بن سحنون ، والجنة المنسوبة لابن المؤذّن ، والجنة المنسوبة لابن كامل ، وجنة النّخلة العليا ، وجنة النخلة السفلى ، وجنة ابن عمران ، والجنة التي إلى نافع ، والجرف الذي ينسب إلى مقبل ، وجنّة العرض ، وجنة الحفرة ، وجنة الجرف ، ومدرج نجد ، ومدرج السّبيكة (٣) ، وجنّة العريف (٤) : كلها لا نظير لها في الحسن والدّمانة (٥) والربيع ، وطيب التربة ، وغرقد (٦) السّقيا ، والتفاف الأشجار ، واستجادة الأجناس ، إلى ما يجاورها ويتخلّلها ، ممّا يختصّ بالأحباس الموقفة ، والجنّات المتملّكة ، وما يتصل بها بوادي سنجيل ما يقيّد الطّرف ، ويعجز الوصف ، قد مثلث منها على الأنهار المتدافعة العباب ، المنارة والقباب ، واختصّت من أشجار العاريات ذات العصير الثاني بهذا الصّقع ، ما قصرت عنه الأقطار. وهذا الوادي من محاسن هذه الحضرة ، ماؤه رقراق من ذوب الثلج ، ومجاجة الجليد ، وممرّه على حصى جوهرية ، بالنبات والظّلال محفوفة ، يأتي من قبلة علام البلد إلى غربه ، فيمرّ بين القصور النّجدية ، ذوات المناصب الرفيعة ، والأعلام الماثلة.
ولأهل الحضرة بهذه الجنّات كلف ، ولذوي البطالة فوق نهره أريك من دمث الرمل ، وحجال من ملتفّ الدّوح ، وكان بها سطر من شجر الحور ؛ تنسب إلى مامل (٧) ، أحد خدّام الدولة الباديسية ، أدركنا المكان ، يعرف بها.
__________________
(١) المراد بمستخلص السلطان أملاكه الخاصة.
(٢) الجنة بلغة أهل غرناطة تعني الحديقة أو البستان.
(٣) السبيكة : موضع خارج غرناطة ، كان الشعراء يتغنّون بها ، من أمثال أبي جعفر الإلبيري الرعيني وابن زمرك وغيرهما. راجع : مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ٣٧). وقد ذكرها ابن صاحب الصلاة بدون ياء ، عند حديثه عن غدر إبراهيم بن همشك مدينة غرناطة فقال : «واحتل ابن همشك يوم دخوله غرناطة بالقصبة الحمراء التي في جبل السّبكة الموازية لقصبة غرناطة». تأريخ المن بالإمامة (ص ١٨٤).
(٤) جنة العريف أو جنان العريف : بستان في خارج غرناطة ، يقع في أسفل الربوة التي ما يزال يقوم عليها قصر جنة العريف ، إلى الشمال الشرقي من قصر الحمراء ، وتسمى بالإسبانيةGeneralife.
(٥) الدمانة : الخصوبة. لسان العرب (دمن).
(٦) الغرقد : شجر عظيم أو العوسج إذا عظم ، واحدته غرقدة. محيط المحيط (غرقد).
(٧) مامل أو مؤمّل ، أحد خدّام ملك غرناطة باديس بن حبوس الذي حكم غرناطة من سنة ٤٢٩ ه إلى سنة ٤٦٧ ه. سمّي به شجر الحور ، فصار اسمه حور مؤمل أو حوز مؤمل ، وكان من ـ