أوّليّته : قد مرّ (١) ما حدث بين أبيه زيري وبين قرابته من ملوك إفريقية ، وباديس بن منصور من المشاحنة التي أوجبت مخاطبة المظفر بن أبي عامر في اللّحاق بالأندلس ، وإذنه في ذلك ، فدخل الأندلس منهم على عهده جماعة وافرة من مساعير الحروب وآثار الحتوف ، مع شيخهم هذا وأميرهم ، ودخل منهم معه أبناء أخيه ماكسن وحباسة وحبّوس ، وقاموا في جملة المظفّر ، وزاوي مخصوص باسم الحجابة ؛ فلمّا اختلّ بناء الخلافة ، بمحمد بن عبد الجبار الملقّب بالمهدي ، أذلّهم وتنكّر لهم ، وأشاع بينهم وبين أمثالهم من البرابر ، المغايرة ، فكان ذلك سبب الفتنة التي يسمّيها أهل الأندلس بالبربرية ؛ فانحاشوا ، ونفروا عهده ، وبايعوا سليمان بن الحكم ، واستعانوا بالنصارى ، وحرّكوا على أهل قرطبة خصوصا ، وعلى أهل الأندلس عموما ، ما شاء الله من استباحة ، وإهلاك النفوس ، وغلبوا على ملك الأندلس ، وما وراء البيضة ، واقتسموا أمّهات الأقطار ، وانحازوا إلى بلاد تضمّهم ، فانحازت صنهاجة مع رئيسهم المذكور إلى غرناطة ، فأووا إليها ، واتخذوها ملجأ ، وحماها زاوي المذكور ، وأقام بها ملكا ، وأثّل بها سلطانا لذويه ، فهو أوّل من مدّن غرناطة ، وبناها وزادها تشييدا ومنعة ، واتصل ملكه بها ، وارتشحت عروقه ، إلى أن كان من ظهوره بها وأحوازها ، على عساكر الموالي ، الراجعين بإمامهم المرتضى إلى قرطبة ، البادين بقتاله ، والآخذين بكظمه ، بما تقرّر ويتقرّر في اسم المرتضى ، من باب المحمّدين.
وكان زاوي كبش الحروب ، وكاشف الكروب ، خدم قومه شهير الذّكر أصيل المجد ، المثل المضروب في الدهاء ، والرأي ، والشجاعة ، والأنفة ، والحزم.
قال بعضهم : أحكم التدبير ، والدولة تسعده ، والمقادر تنجده ، وحكيت له في الحروب حكايات عجيبة.
بعض أخباره في الرأي : قال أبو مروان : وقد مرّ ذكر الفتنة البربرية ؛ لمّا خلص ملأ القوم ، لتشاور أميرهم ، وهم فرض في خروجهم من قرطبة ، عندما انتهوا إلى فحص هلال ، واجتمعوا على التّأسّي ، وضرب لهم زعيمهم زاوي بن زيري بن مناد الصّنهاجي ، مثلا بأرماح خمسة جمعها مشدودة ، ودفعها لأشدّ من حضره منهم ، وقال : اجهد نفسك في كسرها كما هي وأغمزها ، فعالج ذلك فلم
__________________
(١) مرّ ذلك في ترجمة بلكين بن باديس بن حبوس بن ماكسن بن زيري.