بسم الله الرّحمن الرّحيم
وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم
قال الشيخ الأديب البارع أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الخطيب السّلماني : أمّا (١) بعد حمد الله الذي أحصى الخلائق عددا ، وابتلاهم اليوم ليجزيهم غدا ، وجعل جيادهم تتسابق في ميادين الآجال إلى مدى ، وباين بينهم في الصور والأخلاق والأعمال والأرزاق فلا يجدون بما (٢) قسم محيصا ولا فيما حكم ملتحدا (٣) ، وسعهم (٤) علمه على تباين أفراقهم (٥) وتكاثف أعدادهم والدا وولدا ، ونسبا وبلدا ، ووفاة ومولدا ، فمنهم النّبيه والخامل ، والحالي والعاطل ، والعالم والجاهل ، ولا يظلم ربّك أحدا. وجعل لهم الأرض ذلولا يمشون في مناكبها ويتّخذون من جبالها بيوتا ومن متاعها عددا. وخصّ بعض أقطارها بمزايا تدعو إلى الاغتباط والاعتمار (٦) ، وتحثّ على السكون والاستقرار ، متبوّءا فسيحا ، وهواء صحيحا ، وماء نميرا ، وامتناعا شهيرا ، ورزقا رغدا. فسبحان من جعل التّفاضل في المساكن والسّاكن ، وعرّف العباد عوارف اللطف في الظاهر والباطن ، ولم يترك شيئا سدى.
والصلاة والسلام على سيّدنا ومولانا محمد (٧) الذي ملأ الكون نورا وهدى ، وأوضح سبيل الحق وكانت طرائق قددا (٨) ، أعلى الأنام يدا ، وأشرف الخلق ذاتا وأكرمهم محتدا ، الذي أنجز الله به من نصر دينه الحقّ موعدا ، حتى بلغت دعوته ما زوي (٩) له من هذا المغرب الأقصى فرفعت بكل هضبة معلما وبنت بكل قلعة مسجدا. والرّضى على آله وأصحابه الذين كانوا لسماء سنّته عمدا ، ليوث العدا ،
__________________
(١) النص في ريحانة الكتاب (ص ٣١ ـ ٣٥).
(٢) في ريحانة الكتاب : «عمّا».
(٣) الملتحد : الملجأ. لسان العرب (لحد).
(٤) في الريحانة : «ووسعهم».
(٥) في الريحانة : «أفرادهم». والأفراق : جمع فرق وهو الطائفة. لسان العرب (فرق).
(٦) الاعتمار : العمرة ، أي الحج الأصغر. لسان العرب (عمر).
(٧) في الريحانة : «محمد رسوله الذي ...».
(٨) قددا : متعددة ، مختلفة. لسان العرب (قدد).
(٩) زوي : بعد. لسان العرب (زوى).