والاختلاف ، والبهج بالغنا ، فشرف الإنقاب إلى الفرار ، وأزمع إلى الانسلال. وعندما تحرّك السلطان إلى غربي مالقة ، ونجع أهلها بطاعته ودخلوا في أمره ، وسقط عليه الخبر ، اشتمل على الذخيرة جمعاء ، وهي التي لم تشتمل خزائن الملوك مطلقا على مثلها ، من الأحجار واللؤلؤ والقصب ، والتفّ عليه الجمع المستميت ، جمع الضلال ومردّ الغيّ ، وخرح عن المدينة ليلة الأربعاء السابع عشر من جمادى الآخرة ، وصوّب وجهه إلى سلطان قشتالة ؛ مكظوم تجنيه ، وموتور سوء جواره ، من غير عهد ، إلّا ما أمل من التبقّي عنده من التّذميم به ، وضمان إتلاف الإسلام ، واستباحة البلاد والعباد بنكرته.
ولمّا استقرّ لديه نزله ، تقبّض عليه ، وعلى شرذمته المنيفة على ثلاثمائة فارس من البغاة ، كشيخ جنده الغربي إدريس بن عثمان بن إدريس بن عبد الله بن عبد الحق ، ومن سواه ؛ تحصّل بسببهم بيد الطّاغية ، كلّ ما تسمو إليه الآمال ، من جواد فاره ، أو منطقة ثقيلة ، وسلاح محلّى ، وجوشن رفيع ، ودرع حصينة ، وبلبلة منيعة ، وبيضة مذهّبة ، وبزّة فاخرة ، وصامت عتيد ، وذخيرة شريفة ، فتنخّل منهم متولّي التسوّر ، فجعلهم أسوة رأسهم في القتل ، خرّ بعضهم يومئذ على بعض ، في القتل ، وأخذتهم السيوف ، فحلّوا بعد الشّهرة ، والتمثيل في أزقّة المدينة ، وإشاعة النداء في الجزيرة ، ثاني رجب من العام المؤرّخ به ، وركب أسوق سائرهم الأداهم ، واستخلصهم الإسار ، وبادر بتوجيه رؤوسهم ، فنصبت من فوق العورة التي كان منها تسوّرهم القلعة ، فمكثت بها إلى أن استنزلت ووريت ؛ وانقضى أمره على هذه الوتيرة مشؤوما دبيرا ، لم يمتّعه الله بالنعيم ، ولا هنّاه سكنى المحلّ الكريم ، ولا سوّغه راحة ، ولا ملأه موهبة ، ولا أقام على فضله حجّة ، ولا أعانه على زلفة. إنما كان رئيس السرّاق وعريف الخراب ، وإمام الشّرار ، ندر يوما في نفسه ، وقد رفعت إلى امرأة من البدو تدّعي أنها سرقت دارها ، قال : إن كان ليلا بعد ما سدّ باب الحمراء عليّ وعلى ناسي ، فهي والله كاذبة ، إذ لم يبق سارق في الدنيا ، أو في البلاد ، إلّا وقد تحصل خلفه ، وقانا الله المحن ، وثبّتنا على مستقرّ الرّشد ، ولا عاقنا عن جادة الاستقامة.
وزراء دولته : استوزر الوزير المشؤوم ممدّه في الغيّ ، الوغد ، الجهول ، المرتاش من السرقة ، الحقود على عباد الله لغير علّة عن سوء العاقبة ، المخالف في الأدب سنن الشريعة ، البعيد عن الخير بالعادة والطبيعة ، دودة القزّ ، وبغل طاحونة الغدر ، وزقّ القطران ، محمد بن إبراهيم بن أبي الفتح الفهري ، فانطلقت يده على الإبشار ، ولسانه على الأعراض ، وعينه على النظر الشّزر ، وصدره على التأوّه والرّين ؛