يلقى الرجل كأنه قاتل أبيه ، محدّقا إلى كمّيه ، يحترش بهما خبيئة ، أو يظنّ بهما رشوة ، فأجاب الله دعاء المضطرين ، ورغبات السّائلين ، وعاجله بالأخذة الرّابية ، والبطشة القاضية ؛ فقبض عليه في ليلة السبت العاشر لرمضان من العام المذكور ، وعلى ابن عمّه العصر فوط وعلى الحيرا من نواهض بيتهما ، وأنفذ الأمر بتعريضهم ، فمضى حكم الله بهذه المنيّة الفرعونية فيهم ، لا تبديل لكلمات الله ، قاهر الجبابرة ، وغالب الغلاب ، وجاعل العاقبة للمتّقين.
واستوزر بعده ، أولي الناس وأنسبهم إلى دولته ، وأحقّهم بمظاهرته ، المسوس الجبّار اليأس والفطرة ، المختبل الفكرة ، القيل ، المرجّس ، الحول ، الشهير ، الضّجر ، محمد بن علي بن مسعود ؛ فيما بلي الناس على طول الحمرة ، وانفساح زمان التجربة ، أسوأ تدبيرا ، ولا أشرّ معاملة ، ولا أبذأ لسانا ، ولا أكثر شكوى ومعاتبة ، ولا أشحّ يدا ، ولا أجدب خوانا ، من ذلك المشؤوم ، بنعق البوم ، ينعق بما لا يسمع ، ويسرد الأكاذيب ، ويسيء السّمع ، فيسيء الإجابة ، ويقود الجيش فيعود بالخيبة ، إلى أن كان الفرار ، فصحبه إلى مصرعه ؛ وكان ممّن استؤثر به القيد الثقيل ، والأسر الشديد ، والعذاب الأليم ، عادة بذلك عبد «المالاخوينا» ، التي كان يحجب سمتها ، زمان ترفيهه ، فقضت عليه سيّىء الميتة ، مطّرح الجثّة. سترنا الله بستره ولا سلبنا في الحياة ولا في الممات ثوب عنايته.
كاتب سرّه : صاحبنا الفقيه الأهوج ، قصب الريح ، وشجرة الخور ، وصوت الصّدى ، أبو محمد عبد الحق بن عطية ، المستبدّ بتدبير الدّبير ، خطا فوق الرّقاع الجاهلة ، ومسارّة في الخلوات الفاسقة ، وصدعا فوق المنابر الكبيبة ، بحلّة لثّ الراية ، ويذبّ عنه ذبّ الوالدة ، ينتهي في الاعتذار عن هناته إلى الغايات القاصرة.
قضاته : شيخنا أبو البركات ، قيس ليلى القضاء ، المخدوع بزخرف الدنيا على الكبرة والعناء ، لطف الله به ، وألهمه رشده.
شيخ الغزاة على عهده : إدريس بن عثمان بن إدريس بن عبد الحق بن محيو ، بقية بيت الدّبرة ، ووشيجة الشجرة المجتثّة ، عذّب في الجملة من أهل بيته عند القبض عليهم ، واستقرّ في القبض الأشهب من قبيله بالمغرب ، مطلق الإقطاع ، مرموقا بعين التجلّة ، مكنوفا بشهرة الأب ، إلى أن سعي به إلى السلطان ، نسيج وحده ، فارس بن علي ، واستشعر البثّ فطار به الذّعر لا يلوي عنانا ، حتى سقط بإفريقيّة ، وعبر البحر