نسّق (١) له ، فزوى (٢) وجهه عنّا ، وقال : ما ذا تهنّونني به ، كأنكم رأيتم تلك الخرقة بكذا (٣) ـ يعني العلم الكبير ـ في منار إشبيلية (٤) ، فعجبنا من بعد همّته ، ومرمى عزمه (٥).
شجاعته : أقسم أن يغير على باب مدينة بيّانة في عدّة قليلة عيّنها الميمن (٦) ، فوقع البهت وتوقّعت الفاقرة ، لقرب الصّريخ ، ومنعة الحوزة ، وكثرة الحامية ، واتصال تخوم البلاد ، ووفور الفرسان بذلك الصّقع ؛ وتنخّل أهل الحفاظ ، وهجم (٧) على باب الكفّار نهارا ، وانتهى إلى باب المدينة ، وقد برزت الحامية ، وتوقع فرسان الرّوم الكمناء ، فأقصروا عن الإحصار ، وحمي المسلمون فشدّ عليهم ، فأعطوهم الضّمّة ودخلوا أمامهم المدينة ؛ ورمى السلطان أحد الرجال النّاشبة بمزراق كان بيده محلّى السّنان رفيع القيمة ، وتحامل (٨) يريد الباب فمنع الإجهاز (٩) عليه ، وانتزاع الرّمح الذي كان يجرّه خلفه ، وقال : اتركوه يعالج به رمحه (١٠) إن كان أخطأته المنيّة ، وقد أفلت من أنشوطة خطر عظيم.
جهاده ومناقبه : كان له وقائع في الكفّار ، على قلّة أيامه ، وتحرّك ونال البلاد ، وفتح قبرة ، ومقدّم جيش العدو الذي بيّت بظاهرها وأثخن فيه ، وفتح الله على يده مدينة باغوة ، وتغلب المسلمون على حصن قشتالة ، ونازل حصن قشرة (١١) بنفسه لدى قرطبة ، فكاد أن يتغلّب عليه ، لو لا مدد اتّصل للنصارى به. وأعظم مناقبه تخليص جبل الفتح ، وقد أخذ الطاغية بكظمه ، ونازله على قرب العهد من تملّك المسلمين إياه ، وناخ (١٢) بكلكله ، وهدّ بالمجانيق أسواره ، فدارى الطّاغية ، واستنزل
__________________
(١) في اللمحة : «تسنّى».
(٢) في اللمحة : «فزوى عنّا وجهه قائلا : وما ذا ...».
(٣) في اللمحة : «الكذا».
(٤) المراد منار جامع إشبيلية الذي بناه المنصور يعقوب بن يوسف الموحدي سنة ٥٩٣ ه ، ويعرف باسم «لا جيرالدا» la giralda. البيان المغرب ـ قسم الموحدين (ص ٢٢٧ ـ ٢٢٨).
(٥) في اللمحة : «أمله».
(٦) في اللمحة البدرية (ص ٩٢): «في عدة يسيرة من الفرسان عيّنتها اليمين».
(٧) في اللمحة البدرية : «وهجم عليها فانتهى إلى بابها وحمل على أضعافه ...».
(٨) في اللمحة البدرية : «وتحامل الطعين يريد ...».
(٩) في اللمحة البدرية «من الأجهاز».
(١٠) في اللمحة البدرية : «جرحه إن أخطأته ...».
(١١) في اللمحة البدرية : «قشرة لأول أمره وهدّ سوره ، وكاد يتغلب عليه لو لا مدد دخله ، فارتحل وقد دوّخ الصقع».
(١٢) في اللمحة البدرية (ص ٩٣): «وأناخ عليه بكلكله».